العميد عباس نصرالله
انتفاضة السادس من شباط ١٩٨٤ هي انقلاب على مسار الدولة اللبنانية بالتطبيع مع الكيان الغاصب الصهيوني.
بعد معاهدة الصلح بين مصر و الكيان الغاصب في كمب ديفد انصرفت اسراءيل الى الحاق لبنان بالعصر الاسرائيلي واعتبرت ان الطريق امامها اصبحت معبدة، لأجل ذلك عقدت اتفاق مع المليشيات المسيحية لمساندتها وعملت على المستوى الحكومي اللبناني للسير في سياستها. وهذه السياسة قديمة منذ دافيد بنغورين و موشي شاريت وهي ايجاد حليف مسيحي لها في لبنان. حيث استثمرت في اجتياح جنوبي لبنان في العام ١٩٧٨ واقامت دويلة سعد حداد. ارادت اسرائيل استكمال مشروعها فرسمت خطتها باجتياح لبنان و اقامة دولة تابعة لها، قامت بتمويل و تسليح المليشيات المسيحية لكي تكون سندا لها في الداخل. استطاع الجيش الاسرائيلي ان يتقدم على ثلاثة محور. الساحلي مدعوما بالبوارج البحرية. الاوسط على قمم جبال لبنان الغربية. و الشرقي عبر سهل البقاع الغربي. واستطاع الوصول الى بيروت في ثلاثة ايام و كان شارون يسير مع مقدمة الجيش الغازي. لقد تم احتلال اكثر من نصف مساحة لبنان بوقت قياسي.
اصطدم الجيش الاسرائيلي بالمقاومة التي كانت تقودها حركة امل بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت بعدقصف تدميري للمدينة للضغط لاخراج المقاومة الفلسطينية، منعت المقاومة الوطنية اللبنانية وعلى رأسها حركة امل المحتل من تحقيق اهدافه، فلم يستطع دخول بيروت الغربية، ولجأ الى الضغط بالتدمير و دمر أجزاء واسعة من العاصمة واستطاع بعد جهد كبير دخول لساعات قليلة خرج بعدها. وشعر العدو ان خطته بالتطبيع قد فشلت، فلجأ الى تكبيل الحكومة اللبنانية بمعاهدة سلام، وتتالت جلسات التفوض في فندق ليبانون بيتش في خلدة بوجود الوسيط الاميركي.
اهم ما جاء في الاتفاق الذي اعلن في السابع عشر من ايار هو اتفاقية سلام وتبادل دبلوماسي وتطبيع جميع العلاقات بين البلدين، واخطر ما في الامر هو الاتفاق الامني المتعلق بالجنوب اللبناني حيث حدد حجم القوى اللبنانية واسلحتها الخفيفة كما نص على نقاط مراقبة دولية بينهم عناصر اسرائيلية.
رفضت حركة امل والتقدمي الاشتراكي والقوى و الاحزاب الوطنية وبدعم من سوريا اتفاق الذل كما دعي آنذاك. ودعا رئيس حركة امل الاخ نبيه بري الى مقاومة الاتفاق بكل الوسائل المتاحة، فكانت احداث وادي ابو جميل ومحاولة الجيش اخلاء مهجرين من مدرسة الاليانس واحداث أواخر شهر آب في حارة حريك عندما منع الجيش تعليق صور للامام الصدر في ذكرى تغييبه.
ثم جاءت احداث السادس من شباط حيث اصطدم الجيش بالقوى الوطنية المسلحة و سقط شهداء ثم انتهى الامر الى عقد موءتمر لوزان.
أما أهم النتائج التي اسفرت عنها الانتفاضة، انها افشلت المخطط الاسرائيلي وأحبطت خطته باحتلال لبنان وفرض شروطها عليه، وقد تم الغاء اتفاق السابع عشر من قبل الحكومة اللبنانية التي كانت قد وافقت عليه، نشطت المقاومة التي كانت تقودها حركة امل وأوقعت خسائر كبيرة اضطرته للانسحاب تباعًا من معظم الاراضي التي احتلها بالاجتياح.
اصبحت القوى الوطنية شريكاً في الحكم بعد ان كانت مستبعدة ان انتفاضة السادس من شباط هي ثورة على مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني وقد أخرت هذا المسار لاربعة عقود حيث يطل اليوم بقرنه من دول الخليج.
قد يفيد من لم يعش احداث السادس من شباط ان يعلم ان دماء غزيرة قد اهرقت لتحقيق النصر على المخطط للتطبيع مع الكيان. والعبرةهي انه لا يجوز الاستسلام للعدو مهما كانت قوته و جبروته و ان قوة الشعب لا تجاريها قوة مهما بلغت من آلاف الطائرات والدبابات و المدافع، فإرادة العيش بكرامة وحرية هي اقوى من كل المخططات التي تحاك لنا لاخضاعنا والحاقنا بالكيان الغاصب، واليوم الوسيلة مختلفة حيث الحصار والتجويع والتهديد بهدف الاخضاع و التركيع نقول لهم لم نخضع باجتياح ١٩٨٢ و لن نخضع اليوم ونحن ابناء الامام الصدر الذي قال ذات يوم ان اسرائيل شر مطلق.