عبير شمص
إنه السادس من شباط يوم يضاهي الزمن، اختصر عمر هذا الوطن كاتباً بالحرف العريض لحد التطبيع، في السادس من شباط شعبُ لبنان اراد الحياة بكرامة وعزة واستجابت اقداره, فكانت الصفعة الكبرى لاسرائيل التي ايقنت أن في لبنان مقاومة لا تهادن ولا تصافح، السادس من شباط أدخل لبنان التاريخ من أبوابه العريضة.
وُصفت بأنها اكبر من انتفاضة فقد ساهمت في تغيير الواقع الذي كان يرزخ تحته اللبنانيون وفي هذا السياق كان لنا حديث مع النائب العميد الوليد سكرية الذي أكد لليبانون تايمز أن لانتفاضة ٦ شباط دور كبير في تغيير الواقع الذي كان قائماً في المنطقة وفي لبنان إبان الاجتياح الإسرائيلي ١٩٨٢ للبنان لأن انتفاضة السادس من شباط أتت لمواجهة تداعيات ونتائج الاجتياح إن كان على الصعيد الحكم الداخلي في لبنان الذي أوجدته إسرائيل بالقوة أو على على صعيد الإحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية.
وكان من ضمن خطة أميركا في المنطقة بناء قوات التدخل السريع في الشرق الاوسط إما ضد الثورة الإسلامية اذا تمددت أو ضد الاتحاد السوفياتي اذا نشبت حرب في منطقة الخليج والعراق واقتضى الامر ان يكون لبنان قاعدة التدخل السريع ورأس جسر للاسطول السادس الأميركي وما كان مقررا ان تنتشر من بيروت الى صيدا فأقامت إسرائيل مطاراً في الدامور وكانوا يريدون السيطرة على مرفأ بيروت بالاضافة الى مرفأ ثاني كان مقرراً في الدامور ومطاري بيروت والدامور والانتشار العسكري في كل منطقة الجبل وبناء مدينة في الدامور لعائلات العسكريين الأمريكيين وخدمة القاعدة الأميركية لذلك كان يجب ان يكون الحكم في لبنان حليفاً لاميركا اي اخراج كل من هو معادٍ لأميركا وكان احتجاج ١٩٨٢ والتهديد بالتدخل في سوريا تمهيداً لان يكون لبنان قاعدة للقوات الأميركية وابرام اتفاق 17 آيار.
ولفت سكرية انه جرى التحضير للاجتياح لكي تتقبل الشعوب نتائج الاجتياح مشدداً على ان الأحزاب السياسية كانت حليفة لاميركا ،والدروز أقلية البعض يرضخ للسياسة والذي لا يريد فليرحل عن المنطقة والسنّة في التوزيع الطائفي كانوا مع المقاومة الفلسطينية واحزابها بمعظمها مع الحركة الوطنية والناطق باسمهم المملكة العربية السعودية التي اوفدت الرئيس رفيق الحريري ممثلا لها لمعالجة الشأن اللبناني. بقي الشيعة في الجنوب على الحدود مع العدو الإسرائيلي وكان العمل لتحويله الى حزام امني لاسرائيل بمعنى ان الواقع الجغرافي فرض ذلك وكانت في ذلك الوقت المقاومة الفلسطينية تطلق الصواريخ على العدو الإسرائيلي ويرد هو مستهدفاً المدنيين وهكذا بدأ التضييق على ابناء الجنوب والصدام بين أبناء الجنوب وبعض الاحزاب السياسية سنة ١٩٨٢ واعتبرت إسرائيل ان المجتمع في الجنوب اصبح مهيأ لتقبل الاجتياح والترتيبات الأمنية بحيث ان ابن الجنوب أصبح لا يريد مقاتلة إسرائيل من الجنوب ويدفع الثمن وحده، وهكذا لن يكون هناك مقاومة تهدد امن اسرائيل في جنوب لبنان وهذا ما جاء لاحقاً في اتفاق ١٧ آيار ممنوع اي عمل ضد إسرائيل في جنوب لبنان وكان من المقرر ان تتحول الضاحية بحسب المخطط الاميركي الإسرائيلي الى مجال امني للقاعدة الأميركية ويضيف سكرية كنت اول من أنذر دولة الرئيس نبيه بري الى ما يحصل في الجبل وان الضاحية لتذهب ويجب فتح معركة لتخفيف الضغط عن الجبل، وأن حي السلم سيكون حرم المطار للقاعدة الاسرائيلية الأميركية وسيتم جرفه وإسرائيل مستعدة لبناء بيوت للشيعة في الجنوب وبمال عربي لإخلاء الضاحية وازالتها وبالتالي يتحول لبنان الى وطن قومي مسيحي.
مع هذه الأجواء، بدأت المواجهة في الضاحية وسوريا اتخذت موقفها المؤيد، وتشكلت جبهة الخلاص الوطني وبدأت القوى الوطنية تتخذ موقفها ضد حكم آل الجميل وضد القاعدة الأميركية وهنا يلفت سكرية الى انه تم اختيار ضابط شيعي وليس ماروني للهجوم على الضاحية ونصحته في ذلك الوقت أن لا يطلق النار وعندما وصل إلى الضاحية طوقوه شباب حركة أمل ونزعوا سلاحه وبقيت اوامره ممنوع إطلاق النار, وقام الاهالي فيما بعد باستضافة العسكريين وتكريمهم.
كشف المؤامرة والمواجهة
يشير سكرية إلى أن الناس في الجنوب بدأوا يدركون أن إسرائيل لم تأتِ كمنقذ ولتخليصهم من الواقع الذي فرضته المقاومة الفلسطينية في الجنوب وبدأ الإنقلاب في ذهنية المجتمع، الذي أدرك أن أهداف الاجتياح مختلفة ولا بد من المواجهة معه.
وفي شباط ١٩٨٤ كانت الانتفاضة التي بدأت في بيروت كي لا تبدأ في الجبل للسيطرة على الضاحية وبيروت وقطع التواصل بين المنطقة الشرقية وخلدة، ومع هذه الانتفاضة تحوّل الشعب كله ضد حكم الجميل، وضد اتفاق ١٧ آيار، وضد الوجود الأميركي، لا سيما في ظل العمليات الاستشهادية ، ويضيف سكرية اكتمل الانتصار في ١٤ شباط الذي قمت فيه في الشحار الغربي عندما كنت في اللواء الرابع وتفكك اللواء وسيطرنا بالكامل على خلدة والدامور، وانسحب الجيش إلى السعديات، وهذا الواقع هو الذي فرض على الجميل الذهاب إلى سوريا وإعلان إلغاء اتفاق ١٧ آيار.
عصر المقاومة
هكذا تكون انتفاضة السادس من شباط قد أرست الفكر المقاوم لدى أهل الجنوب ولدى اللبنانيين بحيث تحوّل الشعب كله إلى مقاومة أخرجت أميركا وإسرائيل وادت إلى الانسحاب حتى الشريط الحدودي.
يمكننا القول أنه انتصرت إرادة المواجهة والمقاومة في الحرب مع إسرائيل وهنا يشير سكرية إلى أن هذا الانتصار كان بمثابة تجربة جديدة تؤكد أن الحرب مع إسرائيل ليست بجيوش نظامية وإنما بعمل المقاومة حيث أن الشعب باكمله أصبح مقاوماً ومستعداً للشهادة والتضحية منتقلا من حالة المستسلم إلى حالة المجاهد على نهج أبي عبدالله الحسين عليه السلام إحياء لهذه العقيدة، والمجتمع تحوّل من مجتمع يائس إلى مجتمع مجاهد، فاسرائيل لم تواجه في لبنان دبابات، فقط واجهت مقاتلاً بعبوة وسلاح خفيف لكن يمتلك إرادة المواجهة والاستعداد للشهادة اللتان انتصرنا على التفوق الإسرائيلي وارساء معادلة جديدة تدفع اميركا للنظر في حساباتها لا سيما في موضوع الدخول إلى العراق وغزو سوريا وإيران.
ما بعد ٦ شباط
كان تاريخ السادس من شباط يوماً مفصلياً، فما قبله يختلف عما بعده، فقد أسس للعديد من التداعيات والنتائج السياسية وابرزها كما يقول سكرية أنه كسب من قاتل المشروع الأميركي والاسرائيلي ، وبالتالي فإن الطائفة الشيعية أصبحت في الموقع القوي الذي أدى إلى إتفاق الطائف لاحقاً، كما أن السلطة المسيحية ضعفت برهانها على إسرائيل ووقوفها إلى جانبها وانتصرت القوى التي واجهت إسرائيل وأصبحت الاثقل في المعادلة.
على الصعيد الداخلي، كان هناك العديد من المتغيرات والنتائج، فكما يقول سكرية أن المقاومة انطلقت من المحرومين، وتم التوصل إلى اتفاق الطائف الذي أقر الإنماء المتوارن ، وأصبح بتركيبة لبنان الطائفية الاعتماد على المحاصصة بين الطوائف، وأخذ الجنوب حصة على قدم المساواة ونما نمواً لم يشهده من قبل، وتحول من أرض الفقراء والمهمشين والمحرومين إلى قوة أساسية في المعادلة السياسية في لبنان وتحصيل حقه في التنمية لإعادة اعماره، ، ولو لم تكن هذه المعادلة لبقي الجنوب في الحرمان، ظُلمت منطقة بعلبك-الهرمل لأن عملية الاعمار والبناء ذهبت إلى الجنوب كونه تحمّل أعباء الاجتياح.
٦شباط جديد..
اليوم، السؤال الذي يطرح نفسه هل نحن بحاجة إلى ٦شباط جديدة، إلى انتفاضة على الحكم في ظل الوضع السياسي والاقتصادي القائم، يقول سكرية في هذا المجال ان مشكلة لبنان اليوم ليست في العقوبات الاقتصادية الأميركية، فإن أكثر ما أضر لبنان هو الإفلاس الاقتصادي الناجم عن سياسة اقتصادية خاطئة بدأت مع الرئيس رفيق الحريري عندما قال : “لسنا دولة صناعة أو زراعة نحن دولة خدمات…” لم يتحقق السلام وضعفت السياحة بسبب الحروبات ووصلنا إلى حالة الإفلاس، واليوم وعندما بدأ الحديث عن إصلاح داخلي كان هناك اتجاهين :
الأول يتمثل في بيع مؤسسات الدولة لايفاء قسم من الدين.
والثاني يقول أن مؤسسات الدولة لا تباع ويجب إعادة الأموال التي هُدرت، وهنا يؤكد سكرية أنه في حال قررت الحكومة بيع مؤسسات الدولة هنا دور الشعب ليعيد انتفاضة السادس من شباط ضد كل من يقف مع سياسة البيع هذه.
واعتبر سكرية أن الحل يكون من خلال سياسة اقتصادية جديدة وسياسة انمائية للصناعة والزراعة وبناء علاقات جديدة مع العراق ودول الخليج وايران، والأهم إعادة العلاقة مع سوريا، فالنظر إلى سوريا كعدو سياسة أميركية اسرائيلية آن لنا أن ننتهي منها ونرى مصلحة لبنان، واذا كان الخليج يريد أن يطبع مع إسرائيل فليصبح مرفأ حيفا مرفأ الخليج وليس مرفأ بيروت، ولماذا لا يكون مرفأ طرابلس هو مرفأ سوريا والعراق، ويجري التهيئة لبناء علاقات مع العراق وايران ومن يريد من دول الخليج ولكن كل ذلك لا يكون الا عبر العلاقة مع سوريا.
وختاما، كتبت ٦ شباط مسيرة عزتنا وكرامتنا ، ولولا هذه الانتفاضة لكانت اميركا وإسرائيل يرتعون في أرضنا على مساحة هذا الوطن دون رادع…