حسن الدر- خاص ليبانون تايمز
صالونات السّياسة مقفلة، وأبواب الشّارع مشرعة!
“لماذا الدّولار؟! سأقول لكم لماذا الدّولار؛ لأنّها آخر معاركهم ضدّكم.. لقد جرّبوا كلّ الوسائل: جرّبوا الاطلسي ونيو جرسي و ١٧ أيّار… وجرّبوا الخلاف بين السنة والشيعة والخلاف بين المسلمين؛ وفشلوا في كلّ هذا، لم يبقَ إلّا الاقتصاد، لم يبقَ إلّا الامعان في حرمانكم، لم يبقَ إلّا قتلكم اقتصاديًّا”.
هذا مقتطف من خطاب ألقاه الرّئيس نبيه برّي أواسط الثّمانينات، يوم كانت حركة أمل رأس حربة المقاومة العسكريّة والسّياسيّة والثّقافيّة، في مواجهة الأطماع الاسرائيليّة، والممارسات العنصريّة، لآخر رؤساء حقبة المارونيّة السّياسيّة!
بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا، وبتبديل بعض المصطلحات، نجد بأنّ الحرب هي نفسها، وإن تغيّرت أسماء المعارك، والظّروف المحلّيّة والاقليميّة والدّوليّة، فقد جربوا اغتيال الرّئيس الشهيد رفيق الحريري لإحداث فتنة سنّيّة شيعيّة، وجرّبوا حرب تمّوز كمواجهة مباشرة، وجرّبوا جرّ المقاومة إلى حرب داخليّة، من خلال قرارات الحكومة البتراء في ٥ أيّار ٢٠٠٨، وجرّبوا الحرب الكونيّة في سوريا، وفشلوا في كلّ هذا.
لم يبقَ إلّا الدّولار لقتلنا اقتصاديًّا!
الحرب نفسها، والهدف نفسه: اسقاط آخر قلاع المقاومة، واخضاع بيئتها الحاضنة.
لكن، ثمّة فروقات عدّة، لا بدّ من لحظها، وأخذها بعين الاعتبار.
فعلى الرّغم من قوّة محور المقاومة اليوم، مقارنة بما كان عليه قبل ثلاثين عامًا، وعلى الرّغم من تراكم الانتصارات، على مدى سنين الصّراع، وعلى الرّغم من امتلاك محور المقاومة أوراق ضغط كثيرة، في لبنان والعراق واليمن، إلّا أنّ جبهة البيئة الحاضنة للمقاومة ليست في حال يسمح لها بالصّمود طويلًا، ليس لضعفها، بل لطبيعة أهلها!
هذه البيئة اعتادت على البذل والتّضحية، وتقديم الدّم على مذبح الحرّيّة والكرامة، لكنّها لا تتحمّل الوقوف في الطّوابير لحجز ربطة خبز أو علبة حليب أطفال، أو دواء لتسكين الآلام..
هذه البيئة المفطورة على الصّبر على الأذى، وكظم الغيظ، لا تستطيع الصّبر على سرقة تعبها، وسلبها مستقبل أبنائها في الوطن الّذي زرعت في أرضه أجساد خيرة شبابها.
الكرامة لا تتجزّأ، والعدوّ الّذي يدنّس الأرض، أهون على الكريم من أولئك الّذين يريقون ماء وجوهنا أمام نسائنا وأطفالنا لعجزنا عن تأمين أدنى مستلزمات الحياة!
هذه البيئة لن تستسلم، ولن تعطي بالطّعام ما أخذته بالدّم، وإذا كان ممنوعًا على لبنان التّوجّه شرقًا، لفكّ الحصار، فيجب إيجاد حلول تنصف هذه البيئة.
لسان حال النّاس واحد: مشروع المقاومة خطّ أحمر، ومن استطاع مواجهة أساطيل أميركا، وترسانة إسرائيل ليس عاجزًا عن تأمين حياة كريمة لأهله، فماذا تنتظر أحزاب المقاومة؟
عليها الاسراع في لجم الأصوات المشبوهة، وتأمين مستلزمات العيش الكريم لأهلها الأوفياء لخطّها ونهجها.
في السّياسة، كان ملفتًا تخطّي سعر الدّولار عشرة آلاف ليرة، بعد مواقف البطريرك الماروني، الّتي يجب أن تؤخذ على قدر مكانة ومكان مطلقها.
فبكركي ليست معراب، ولا الصّيفي، ولا ميرنا الشالوحي، بكركي هي لبنان العميق في ذهن المسيحيين والغربيين، وهي ليست طرفًا سياسيًّا يسعى لتحقيق مكاسب انتخابيّة، كما ينظر إليها أتباعها.
وربطًا بما قالته بكركي، ثمّة سياق واضح المعالم يتلاقى مع تلك المواقف، يبدأ بمواقف القوات اللبنانية ولا ينتهي بتصريحات “وهاشتاغات” أطلقها قادة ونشطاء في التيار الوطني الحرّ، كان أوضحها الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان: الفدرالية هي الحل!
في المقابل، يستمرّ الجمود في عملية تشكيل الحكومة، وهذا الجمود مرشّح للاستمرار، فالطّريق مسدود، ولا أفق لحلّ يخفّف من وطأة الأزمة.
وإذا كان بعض السّاسة ينتظرون نتائج المفاوضات الأمريكيّة الإيرانيّة، فالنّاس لا تستطيع الانتظار، وقد يسبق السّيف العذل، ويقول الشّارع كلمته!
قال الامام موسى الصّدر ذات يوم: “اعدلوا قبل أن تبحثوا عن وطنكم في مقابر التّاريخ”، وهذا لبنان يحتضر، ومقابر التّاريخ تنتظر!
فهذا الضّغط الكبير سيؤدّي حتمًا إلى انفجار كبير، يطيح بهذه التّركيبة الهجينة، الّتي قامت أساسًا على التّرقيع والتّلميع!