خاص ليبانون تايمز
حسن الدّر
من رحم المعاناة انبثقت “أزهار الفتوّة والفداء ممّن لبّوا نداء الوطن الجريح فكانت “أمل” نقطة تحوّل كبرى، دارت معها وحولها متغيّرات مفصليّة على مستوى التّركيبة اللّبنانيّة، وصولًا إلى التّاثير المباشر في الشّارع الايرانيّ عبر قيادات عبّأها وأدلجها وأطلقها الامام موسى الصّدر لتكون نواة الثّورة وعماد الدّولة لاحقًا.
في ٥ تمّوز ١٩٧٥ وصلت أصداء انفجار “عين البنيّة” من البقاع إلى بيروت فثارت في وجه الامام الصّدر انتقادات من الأحزاب اليمينيّة وبعض رجال الدّين الّذين حاولوا تشويه حركة الامام.
كيف يلجأ رجل دين، يدعو إلى المحبّة والتّسامح، إلى التّدريب على السّلاح، وبوجه من يريد الصّدر التّسلّح والقتال؟!
جاء الرّدّ في اليوم التّالي ٦ تمّوز ١٩٧٥ من خلال مؤتمر صحفيّ عقده الامام وأعلن ولادة أفواج المقاومة اللّبنانيّة “أمل” ذودًا عن الجنوب وكلّ لبنان، بعدما تقاعست السّلطة عن القيام بواجباتها تجاه العدوّ الاسرائيليّ.
وبينما كان اللّبنانيّون يعدّون العدّة لتقتيل بعضهم البعض كانت عيون الامام الصّدر على مصدر الخطر الأساس، على الشّرّ المطلق المتربّص بنا، لم ينزلق إلى حيث انزلق الآخرون، بل صبّ جهده لوأد الفتنة الّتي استمرّت خمسة عشر عامًا، وغيّب خلالها لعلم الّذين غيّبوه بخطره على مؤامراتهم، فدفع لبنان ثمن ارتهان القوى المتحاربة لأهواء الدّول الكبرى، وما زلنا، إلى اليوم، نحصد ما زرعته الحرب من حقد وكراهية وانقسام.
٤٦ عامًا مرّت على إعلان ولادة أمل، واليوم في ذكرى الولادة المباركة نعيش مخاضًا أكثر خطورة وأشدّ وطأة، في ظلّ انهيار اجتماعيّ شامل وفشل سياسيّ كامل، وما زال الخطر المحدق نفسه، مهما غيّر في أساليبه وأدواته.
الأشقاء العرب يتفرّجون، والأصدقاء الغربيّون ينظّرون علينا ويحاضرون فينا ويطلبون منّا محاربة الفساد بالقبول بشروط صندوق النّقد الدّوليّ.
شروط “إصلاحيّة” تقضي بالقضاء على الدّولة وبيع ممتلكاتها لشركات استثمار غربيّة بأثمان بخسة، فتتحقّق نبوءة وزير خارجيّة فرنسا “جان إيف لودريان” عندما حذّر في آب ٢٠٢٠ من أنّ “لبنان قد يختفي عن الخريطة”!
بالطّبع لن يتبخّر لبنان، ولم يقصد “لودريان” ذلك، هو يعني ما يقول، ويردّد توجّهات السّيّد الأمريكيّ الّذي فوضّه ورئيسه اللّعب في الوقت الضّائع، قبل أن يكفّ يده، ليبشرنا وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السّياسيّة “ديفيد هيل” قبل أيّام، بأنّ الوضع الاقتصاديّ في لبنان يُواجه “كارثة فوريّة”، وأنّ “انهيار لبنان بات وشيكًا”، وأنّ “السّياسيين اللّبنانيين بحاجة إلى إظهار الإرادة للإصلاح قبل تقديم أيّ مساعدة خارجيّة للبنان”
والإصلاح في نظر “هيل” يعني بيع “لبنان” لصندوق النّقد الدّوليّ الّذي تهيمن عليه أميركا، راعية الدّيموقراطيّة وحقوق الانسان في العالم تجرّد مجتمعًا كاملًا من حقوقه الانسانيّة وتبتزّ قادته ليذعنوا ويرضخوا ويقبلوا بشروطها!
فما الحلّ؟ وهل من حلول؟
للأسف، لا حلّ مع مَن ارتضى لنفسه أن يطأطئ رأسه أمام الأمريكيّ وأعوانه، ولا حلّ مع من يهتف لرئيس فرنسا “ايمانيول ماكرون” ويطالبه بانتداب لبنان مجدّدًا، ولا حلّ مع من يرفض العروض الرّوسيّة والصّينيّة الميسّرة خوفًا من الغضب الأمريكيّ، ولا حلّ مع من يعطّل تشكيل الحكومة طمعًا بحصّة زائدة، في الوقت الّذي يتحوّل فيه اللّبنانيّون إلى “شحّادين” للحصص التّمونيّة، والبطاقة التّمويليّة، ويذلّ فيه المواطنون أمام المحطّات والصّيدليّات والتّعاونيّات.
يحقّ للسّفراء والوزراء الغربيين أن يعربوا عن دهشتهم من تقاعس المسؤولين، وأن يهددوهم بالعقوبات، في مشهد ساديّ استعلائيّ ارتضاه المعطّلون على أنفسهم، ولا يحقّ للّبنانيين الاعتراض والاستعراض على وسائل التّواصل الاجتماعيّ وهم لا يحرّكون ساكنًا إلّا في وجوه بعضهم!
في يوم شهيد “أمل” يبقى الأمل قائمًا والحلول ممكنة بقرارات جريئة من قيادات وطنيّة شريفة قاتلت “اسرائيل” وانتصرت عليها بالزّيت والحجارة والسّلاح مهما كان وضيعًا، وقيادة انتفضت على القدر الأمريكيّ في ٦ شباط ١٩٨٤ وأسقطت مشروع صهينة لبنان والمنطقة!
الأمل قائم لأنّ مؤسّس “أمل” قال: “حركة أمل باقية لصناعة التّاريخ في لبنان والمنطقة”، وكما ساهمت أمل في التّأسيس لصناعة محور مناهض لأميركا و”اسرائيل” ستساهم مجدّدًا في إنقاذ لبنان، لأنّ “أمل” نهج وفكر وعقيدة، زرعها موسى الصّدر واستطاب ثمارها الأحرار من المؤمنين بنهجه وفكره وعقيدته.