غسان همداني- خاص ليبانون تايمز
لا يختلف اثنان على دور الدولة وواجباتها السياسية، والاجتماعية ، والأمنية تجاه المواطنين، وفقا لنظرية العقد الاجتماعي، التي أخذت مُسمَّاها من الكتاب الذي ألفه الفيلسوف جان جاك روسو في عام 1762م، والتي تنص على أن الأفراد بحكم عيشهم في دولة ما قد وافقوا، بشكل صريح أو ضمني، على التنازل عن بعض حرياتهم، وتقديمها لصالح السلطة الحاكمة في تلك الدولة، مقابل أن يحصل هؤلاء الأفراد على بعض الحقوق داخل تلك الدولة، والنظام الاجتماعي المُعاش داخل حدودها، كما يسوغ هذا العقد سيادة المجتمع المعبر عنها بالقانون، ولكن هذه السيادة لا تكون مطلقة لأنها محصورة بالقدر الذي تنازل عنه الأفراد من اجل حماية حقوقهم وحرياتهم التي احتفظوا بها.
السلطة في البلدان الديمقراطية، ولبنان منها، تتشكل عن طريق مشاركة المواطنين في انتاج هذه السلطة عبر الانتخابات، وبالتالي فإن السلطة هي نتاج إرادة الشعب، ويملك الشعب حق المراقبة والمساءلة والمحاسبة في الانتخابات النيابية، فيمنح الثقة لمن يشاء ويحجبها عمن يشاء.
لا ننكر أن الفساد مستشري في الدولة اللبنانية، ولا ندافع عن الفاسدين، ولكن نطرح سؤالا: هل الشعب معفى من مسؤولية الفساد؟؟ وهل يحق للشعب اللبناني ان يطالب بمحاسبة الفاسدين؟ بالمبدأ هذا صحيح، شرط ان يكون اللبنانيون أو معظمهم براء من الفساد.
الموظفون في مؤسسة عامة، الذي يتقاضون رواتبهم من الضرائب التي يدفعها المواطن، ويُفترض بهم ان يستوحوا المصلحة العامة في خدمتهم للمواطنين وان يسهلوا معاملاتهم، وان يرفضوا قبول الرشوة او الاكراميات لقاء عملهم، لكنهم لا ينجزون معاملة دون رشوة، يستوي في ذلك صغار الموظفين وكبارهم، أليسوا فاسدين؟ المواطنون، الذي يدفعون الرشوة لقاء معاملة غير قانونية، او لتسريع معاملة على حساب معاملات أخرى، والذين يتوسلون واسطة من هنا وهناك، والذين يسكتون عن المنكر فيتحولوا الى شياطين خرس، والذين يسيرون وراء زعمائهم على غير هدى، أليسوا فاسدين؟ التجار وأصحاب المحلات التجارية، الذين يحتكرون المواد، ويستغلون حاجة الناس، ويرفعون الأسعار عند ارتفاع سعر الدولار ولا يخفضونها في حال نزوله، ويتلاعبون بتاريخ صلاحية المواد بغية تحقيق الأرباح، ضاربين بصحة المواطن عرض الحائط، والباعة الذين يُخسِرون الميزان، أليسوا فاسدين؟ أصحاب المحطات، الذين يخلطون البنزين بالماء، ويبيعون الصفيحة 17 ليترا بدلا من عشرين، أليسوا فاسدين؟ أصحاب المستشفيات، والتي تتسمى على اسم الله، والأنبياء، والأئمة، والقديسين، والأولياء، والشهداء، ويموت المرضى على أبوابها، بحجة انه لا يوجد أسِرَة وهي موجودة، او لعدم تمكن المريض من دفع رسم الدخول، أليسوا فاسدين؟ المواطنون، الذين يتهربون من دفع الضرائب، والذين لا يلتزمون بالقوانين، بدءا من عدم احترام إشارات السير، وصولا الى عدم وضع حزام الأمان، ناهيك عن عدم دفع الميكانيك، أو عدم تسجيل السيارات أو الدراجات الهوائية، وتجاوز السرعة المحددة، والقيادة بعكس السير، والذين يسرقون الكهرباء والمياه، أليسوا فاسدين؟ المعلمون في المدارس الرسمية، الذين يهملون واجباتهم تجاه تلاميذهم، ويتحكمون بمصير ومستقبل هؤلاء، فيعطلون الدراسة ويأخذونهم رهينة من أجل الضغط على السلطة لتحقيق مطالبهم، والذين لا يثقون بالتعليم الرسمي الذين هم رواده، فيرسلون أولادهم الى المدارس الخاصة، ويقبضون المنح التربوية من الدولة، والذين يتاجرون بالدروس الخصوصية، أليسوا فاسدين؟ أصحاب المدارس الخاصة، الذين يستغلون عدم ثقة الأهل بالتعليم الرسمي، فيرفعون الأقساط سنويا، والذين يتقاضون ما يعادل نصف القسط بدل قرطاسية وغيرها، والذين يفرضون على الطلاب شراء الزي المدرسي والكتب من المدرسة حصرا، والتي للمفارقة تتغير كل سنة، أليسوا فاسدين؟ وسائل الإعلام والإعلاميون، الذين يميلون مع كل ريح، فيكيلون المديح والهجاء وفقا للمنفعة المادية، أو حسب رغبة أولياء الأمر، فتنتفي الموضوعية، وتحل مكانها الشخصانية، أليسوا فاسدين؟ رجال الدين، الذين يبيتون مبطانين ومن حولهم بطون غرثى، الذين يتاجرون بالدين فيجعلونه لعقا على ألسنتهم، والذين يبيعون صكوك الغفران لقاء ثلاثين من فضة، والذين يحاضرون بالزهد وهم يتكالبون على الدنيا ، أليسوا فاسدين؟ أصحاب المبادئ، الذين ينقلون البندقية من كتف إلى كتف، وكأن المبادئ من تمر يأكلونها حين يجوعون، مع السلطة حين تدعو الحاجة، ثائرون وفق المصلحة، يغيرون شعاراتهم كما يغيرون أحذيتهم، أليسوا فاسدين؟ أصحاب الأفران، الذين يتلاعبون بوزن ربطة الخبز، والذين يستخدمون الطحين المدعوم في غير محله، أليسوا فاسدين؟ أصحاب المؤسسات الخاصة، الذين يستخدمون الأجانب، على حساب اليد العاملة اللبنانية، لتدني أجرها، وتهربا من التسجيل في الضمان، أليسوا فاسدين؟ المواطنون، الذين يرضون ببيع أصواتهم لقاء مبلغ زهيد، او قسيمة بنزين ، او تعصبا لزعيم ، او لطائفة او لمنطقة، ويموتون ليحيا الزعيم ، ويساقون كالأغنام ، أليسوا فاسدين؟ الدولة فاسدة، صحيح، لكن المواطنون شركاء في هذا الفساد، لأنهم وببساطة يُنتجون ويعيدون انتاج نفس السلطة، فلا يراقبون، ولا يساءلون ولا يحاسبون، يتساوى المشاركون في الاقتراع والممتنعون، زعماؤهم مقدسون، سواء في السلطة او في المعارضة، وهم وقود الأحزاب، اليمينية، واليسارية، والدينية، وعلى قاعدة ” كما تكونوا يولى عليكم” فإن السلطة (معارضة وموالاة) هي انعكاس لصورة المواطنين.
“إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ” صدق الله العظيم. حينما يتصالح المواطن مع نفسه، ويكون مثالا للمواطن الصالح، فيقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ويُفرِق بين الحق والباطل، ويسير على هدى في طريق القانون، ويُحكم ضميره، وعندما يخلع ثوب الفساد عن اكتافه، ويتغير نحو الأحسن، يستطيع ان يحاسب الفاسدين، وإلا فليصمت الى الأبد على قاعدة ” من كان منكم بلا فساد فليرجم الفاسدين بحجر”.