خاص ليبانون تايمز_ غسان همداني
يضج لبنان بالسياسيين لكنه يفتقر الى “رجال دولة”.
السياسي أو رجل السياسة، هو من يتمكن من التأثير في صناعة القرارات التي تتعلق بالشؤون العامة، وهذا يشمل الأشخاص الذين يتبوأون المناصب الكبيرة في الدولة، أو الذين يطمحون للحصول على هذه المناصب، سواء عن طريق الانتخابات، أو عن طريق القيام بانقلاب عسكري، أو الاستعانة بقوات احتلال أجنبية، أو استخدام حق الوراثة، أو الادعاء بالحق الديني.
أما رجل الدولة فهو من له القدرة على استشراف المستقبل البعيد، والتكهن بما ينبغي إعداده من خطط كي يشغل مجتمعه موقعاً مرموقاً فيه. يتميز رجل الدولة بالعزيمة والتصميم والتعقل، لا يتردد في المخاطرة عند الضرورة مع اتخاذ ما يلزم من الحذر.
يقول السير ونستون تشرتشل رئيس الوزراء الراحل أن الفرق ما بين السياسي ورجل الدولة هو أن ” السياسي يُفكر في الانتخابات المقبلة، ورجل الدولة يفكر في الأجيال القادمة”.
سئل رئيس الجمهورية الفرنسية الراحل “رينيه كوتي” ما الفرق بين السياسي ورجل الدولة في رأيك؟ فأجاب قائلاً: الفرق بسيط جداً، رجل الدولة يريد أن يعمل شيئاً من أجل بلاده، والرجل السياسي يريد من بلاده أن تفعل شيئاً من أجله!
أما الفيلسوف الإغريقي أفلاطون فيعتبر أن “رجل الدولة هو من يملك معرفة تؤهله للحكم ولإدارة القوة السياسية بشكل يحقق العدل ويضع مصلحة المواطنين في عين الاعتبار، هو من يعرف أنه يعمل لغيره لا لنفسه ويعي الحقوق التي يجب أن يؤديها لغيره والواجبات التي عليه أن يتحملها، هو أيضاً من يعرف المظالم التي يكابدها الناس والانقسامات التي تفرقهم حتى يصححها فيقيم العدل ويحقق الإنصاف”.
ويرى رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق جورج بومبيدو، الذي خلف الجنرال ديغول في زعامة الحزب الديغولي، “إن رجل الدولة هو سياسي يضع نفسه في خدمة شعبه، في حين أن السياسي هو رجل دولة يضع شعبه في خدمته”.
رجال السياسة في لبنان، ونتيجة حسابات شخصية ضيقة ومن أجل مكاسب شخصية، اوصلوا لبنان الى حافة الهاوية، فلبنان يعيش اليوم أصعب أوقاته، وتتفاقم الأزمات فيه بصورة مرعبة، ما يهدد وجوده كوطن.
ولا يبدو أن طرفي النزاع، رئيس الجمهورية ومن ورائه رئيس التيار الوطني جبران باسيل من جهة، والرئيس المكلف، رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري من جهة أخرى، بوارد التنازل، حتى حينه، عن مطالبهما، ويسعى كل منهما الى تسجيل انتصار على الآخر، و”تقريش” هذا الانتصار في المرحلة القادمة، خاصة الاستحقاقات الدستورية: من الانتخابات النيابية وصولا الى انتخاب رئيس الجمهورية.
وحبذا لو أن الطرفان يتعلما كيف يكونا “رجلي دولة” من الرئيس نبيه بري، ويقدما المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ففي العام 2011 طلب الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي موعدا عاجلا من الرئيس ميشال سليمان الذي دعا الرئيس نبيه بري الى قصر بعبدا. كان في جيب ميقاتي حكومة من 24 وزيرا من دون وزراء دولة ومن دون فيصل كرامي. هذه التشكيلة لم تعجب الرئيس بري حيث اعتبرها مخالفة لما اتفق عليه، وغادر متجهما لتبدأ دورة اتصالات كثيفة.
ولم يطل الأمر كثيرا، إذ عندما سأل سليمان وميقاتي، بري، عن كيفية حل قضية توزير فيصل كرامي، وخصوصا أن بيروت لن تمثل سوى بوزير واحد، رد رئيس المجلس: «خذوا من حصتي، ولن أشترط عليكما أي حقيبة. اختارا منها ما تشاءانه». بدت الصدمة على رئيس الجمهورية والرئيس المكلف اللذين لم يفهما بداية على بري، فسارع إلى توضيح موقفه بالأرقام: «أنا مستعد لأن تكون حصة الشيعة من خمسة وزراء في حكومة ثلاثينية، في مقابل 7 وزراء من السنّة. كل ما أريده هو أن تبصر الحكومة النور، وأن يكون فيصل كرامي فيها»، وطبعا وافق سليمان وميقاتي على طرح بري الذي خرج من القصر الجمهوري بعد ساعة من وصوله إليه، رافضا الإدلاء بأي تصريح.
لا يبدو ان عدوى الايثار وصفة “رجل الدولة” ستنتقل من الرئيس نبيه بري الى طرفي النزاع، ويبدو أن لبنان الوطن يأتي في أسفل اهتمامات رجال السياسة بينما يبقى الأولوية عند “رجل الدولة”.