غسان همداني – ليبانون تايمز
قبل فترة غير وجيزة أعلنت السلطات السعودية عن موجة جديدة من الاعتقالات شملت رجال اعمال، أمراء وضباطا وقضاة في إطار مكافحة الفساد، بعدها شنت الحكومة السورية حملة على تجار ورجال أعمال بارزين، متهمين بالفساد، وبهدف رفد خزينة الدولة الفارغة بالأموال التي استفادوا منها خلال الفترات الماضية.
بعيدا عن التحليلات التي رافقت هاتين الخطوتين، الا انهما أعطتا أكلهما، أقله باستعادة أموال الدولة، سواء جمعت بموافقة أولي الأمر أو بالعكس، وبغض النظر عن مصير هذه الأموال.
منذ أن أنعمت فرنسا علينا بمكرمة لبنان الكبير، دون نسيان المراحل التاريخية السابقة، وثروة البلاد تتناتشها قلة قليلة، تتوزع بين طبقة حاكمة، وحاشية محظية، ومقاولين ومتعهدي أشغال فاسدين، وموظفين مرتشين، وأصحاب وكالات حصرية، وتجار محتكرين، وإقطاع سياسي وديني، وفساد تتساوى فيه الموالاة والمعارضة.
لم يشهد تاريخ لبنان الحديث محاسبة لسالبي المال العام، مع أنهم معروفون بالأسماء، والمضحك المبكي، أن الطبقة السياسية بكاملها تشهر بهم، على العكس من ذلك، يزدادون نفوذا وثراء، بينما يرزح لبنان تحت عجز مالي، وديون وفوائد ديون باهظة.
كشفت التطورات الأخيرة ظهور عجز السلطات الحاكمة أمام ما سمي بالدولة العميقة، وعمادها المصارف اللبنانية، بما فيها البنك المركزي، والتي تتحكم بمسار الدولة المالي، تأمر فتطاع، وإذا تجرأ أحدهم على إعادة الهيكلية المالية، كما فعل وزير المالية السابق علي خليل، تستنفر أجهزة الدولة دفاعا عن أولياء نعمتها.
يتحصن حاكم مصرف لبنان، ونرجو التركيز على لقب “حاكم”، بحصانة أميركية، ومصالح داخلية، فيتصرف كأنه المفوض السامي، يوزع الهندسة المالية على المصارف، والقروض منخفضة الفوائد على سياسيين ووسائل وإعلام وغيرها، يغطي استبداد المصارف بودائع الناس، ويسكت عن تفلت سعر صرف الدولار، مطمئنا الى صمت مطبق على قاعدة ” طعمي التم بتستحي العين” ودفاع شرس عن جلالة الحاكم على قاعدة” من يأكل من خبز السلطان يضرب بسيفه”.
تقف الدولة اللبنانية عاجزة أمام هذه الدولة العميقة، كما عجزها أمام جشع التجار والمحتكرين، متذرعة بالاقتصاد الحر، دون أن يرف لها جفن أمام تنامي معاناة الناس ووجعهم، محررة بعض المخالفات بحق أصحاب محلات ودكاكين صغيرة، دون المساس بالرؤوس الكبيرة، والتي من الأكيد تحظى بالحماية والرعاية.
عندما قامت الثورة الفرنسية، كانت ثورة على ممارسات سلطوية متشابكة بين الكنيسة والإقطاع والسلطة الملكية الحاكمة؛ ممارسات أدَّت إلى تردٍ اقتصادي واجتماعي شديد، وكان شعارها” اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس، في ظروف لا تختلف كثيرا عن الظروف التي نعيشها اليوم، فإما أن تبادر الدولة الى اعتقال المحتكرين، وأصحاب المصارف ومن يدعمهم، وتصادر أملاكهم، كما فعلت السعودية وسوريا، وإما فالثورة آتية وشعارها ” اشنقوا آخر محتكر بأمعاء آخر مصرفي”.