تحت عنوان ساترفيلد الثلاثاء في بيروت ولبنان متمسك بتلازم ترسيم حدوده، كتبت دوللي بشعلاني في “الديار”: ينتظر لبنان عودة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد بعد غدٍ الثلاثاء حاملاً الرد الإسرائيلي على المطالب اللبنانية في شأن ترسيم الحدود البحرية والبريّة والآلية التي سيعتمدها لحلّ هذا الملف نهائياً تزامناً مع إعلان الإدارة الأميركية لما تسمّيه “صفقة القرن”.
وتقول مصادر سياسية عليمة انّ الموقف الرسمي الموحّد الذي سمعه ساترفيلد من الرؤساء الثلاثة ونقله الى كلّ من الجانبين الأميركي والإسرائيلي في ما يتعلّق بتشدّد لبنان في الحفاظ على حقوقه كاملة، وعدم التنازل عن أي شبر من أراضيه، ولا عن أي كيلومتر مربّع من الرقعة البحرية المتنازع عليها، جعل الموفد الأميركي يجد أن لا مفرّ من السير بالمسار اللبناني، سيما أنّ الجانب الإسرائيلي لا يملك سوى الادّعاءات الباطلة عن حقوق له فيها.
وإذ يقوم ساترفيلد بتحرّكه المكوكي بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلّة عن طريق قبرص، ويُبلّغ إدارته الأميركية بما يتمّ التوصّل اليه من خلال محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين والإسرائيليين، في إطار المهمة التفاوضية التي كلّفته بها، أكّدت المصادر أنّها سوف تتواصل الى حين إيجاد الحلّ النهائي لهذا الملف. وعلى ما يبدو، فإنّ ثمّة تقدّماً ملحوظاً في سير المفاوضات غير المباشرة الحاصلة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، لجهة اقتناع الإدارة الأميركية بما تملكه الأمم المتحدة من خرائط سبق وأرسلها لها لبنان عن حدوده الجغرافية التي يجب أن يتمّ الإعتراف بها دولياً، وتدخل ضمنها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر. كما تؤكّد حقّ لبنان في ملكيته لكامل المثلث البحري الذي تبلغ مساحته نحو 860 كليومتراً مربّعاً ويُلامس البلوكات النفطية 8 و9 و10، من خلال تقاسم المنطقة الإقتصادية الخالصة للبلدان المتجاورة أي لبنان وقبرص والأراضي الفلسطينية المحتلّة. وتُحاول إسرائيل على مدى السنوات الماضية الاستفادة من مياه هذا المثلّث عن طريق تقاسمه مع لبنان وفق خط الوسيط الأميركي السابق فريديريك هوف الذي اقترح إعطاء نسبة 60 % منه للبنان و40 % منه لإسرائيل في العام 2012.
ولأنّ “إسرائيل” تعلم تماماً أن لا أحقيّة لها في البلوك 9 سيما أنّها فشلت في الادّعاء أنّه ملكٌ له في العام الماضي، ولم تستطع بالتالي تكرار ما حصل معها سابقاً، على ما ذكّرت، عندما بدأت تعمل على حفر الآبار مثل “لفيتان” و”تمار” وسواهما في منطقة كان لبنان يعتبرها ملكاً له، فيما قرّر الوسيط الأميركي أنّها تابعة لها. ولهذا فإنّ الجانب الإسرائيلي أصبح مضطراً اليوم للرضوخ الى الواقع الذي يقول انّ المثلث البحري المتنازع عليه يدخل ضمن حصّة لبنان في المياه الإقليمية، ولا يحقّ له بالتالي الحصول على أي نسبة منه.
وأوضحت المصادر نفسها أنّ لبنان عندما أخطأ في تحديد النقطة الحدودية 1 خلال اتفاقه مع قبرص، كان هذا الخطأ شفهياً، فيما تؤكّد الخرائط أنّ حدوده الجغرافية الرسمية تضمّ ضمناً “المثلث البحري” الذي ينطلق من رأس الناقورة عند النقطة 23. ولهذا قد يكون التخلّي عمّا تدّعي إسرائيل إنّه حقّ لها في هذا المثلث، أنجع الحلول من أجل أن يعمل كلّ جانب على التنقيب عن النفط والغاز الطبيعيين واستخراجهما وتسويقهما من دون أي مشاكل أو عوائق.
ولكن إن كان ساترفيلد سينقل للمسؤولين اللبنانيين موافقة إسرائيل على عدم التعدّي، من الآن وصاعداً، على المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، بعد يومين، فإنّ هذا الأمر سيكون جيّداً جدّاً بالنسبة للبنان إذ سيسمح له بالبدء بأعمال التنقيب عن الغاز الطبيعي في البلوك 9 في غضون أشهر بعد أن يكون العمل قد بدأ قبلاً في البلوك 4 في المنطقة الشمالية، على ما هو متفق عليه من قبل تحالف الشركات الذي تمّ تلزيمه بعملية التنقيب والاستخراج عن الثروة الطبيعية في البلوكين المذكورين في المرحلة الأولى. إلاّ أنّ ثمّة سؤالاً سيُطرح عندئذ: ماذا ستكون عليه المطالب أو الشروط التي ستضعها إسرائيل مقابل التخلّي عن الاعتداء على حقوق لبنان في المنطقة البحرية التابعة له؟!
في الوقت نفسه، تتساءل المصادر نفسها عمّا إذا الوسيط الأميركي سيكون نزيهاً أو أنّه سيُحصّل للبنان حقّه فعلاً ولا يقوم بخداعه بطريقة ما لمصلحة الجانب الإسرائيلي. فإسرائيل التي قد تتنازل عن الحصّة التي اقترحها الأميركي هوف لها في المثلث البحري في وقت سابق، وكانت محور المقترحات الأخيرة للموفد ساترفيلد، لا بدّ وأن تُطالب مقابل ذلك، بالسيطرة على مزارع شبعا المحتلّة، كونها على ما تدّعي سورية وليست لبنانية، وذلك من ضمن ضمّها هضبة الجولان السوري اليها بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بسيطرة إسرائيل عليها.
غير أنّ لبنان الذي أعلن عن عدم تنازله عن أي شبر من أراضيه لمصلحة إسرائيل أو لأي أحد آخر، لن يقبل مثل هذا الطرح، ولو كانت نصيحة ساترفيلد له بأنّه سيسعى الى ردّ إسرائيل عنه. ولهذا سيكون على المسؤولين اللبنانيين مطالبة الجانب الإسرائيلي بتنفيذ ما يُطالب به لبنان، كما القرارات الدولية، فيسحب قوّاته من الأراضي اللبنانية المحتلّة أي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر، لكي يردّ «حزب الله» الذي يُشكّل هاجساً دائماً له عنه.
وإذ كان ساترفيلد قد أبلغ موافقة “إسرائيل” على إجراء المفاوضات الهادفة الى ترسيم الحدود البحرية، فإنّ طلب لبنان تلازم مساري ترسيم الحدود البريّة والبحرية، لا بدّ وأن يطرح مطالب وشروطاً جديدة من قبل الجانب الإسرائيلي، على ما تتخوّف المصادر نفسها، وإن كانت المفاوضات ستتمّ عبر لجنة ثلاثية، على أن تعقد جلساتها في مقرّ قيادة “اليونيفيل” (من دون أن يكون لها أي دور في عملية التفاوض) برعاية الأمم المتحدة، وممثلين عن كلّ من الجانبين الإسرائيلي واللبناني. كما يطرح لبنان أن يجري الترسيم على غرار ما حصل عند ترسيم خط الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000 أو ما يُعرف بـ “الخط الأزرق”، علماً بأنّ نقاطاً حدودية عديدة لا تزال موضع خلاف عند هذا الخط بين الجانبين، وتحتاج أيضاً الى إنهاء النزاع حولها خلال عملية الترسيم المقبلة…
وفي رأيها، إنّ موقف لبنان الواضح من ترسيم الحدود البحرية والبريّة قد جرى تبليغه للموفد ساترفيلد، وهو لن يتغيّر تحت أي ضغوطات. وتأمل في أن يصبّ الترسيم في مصلحة لبنان لجهة إنهاء صراعه مع الجانب الإسرائيلي، الذي لا يوقف تهديداته واعتداءاته على سيادته، كما على برّه وبحره وجوّه، في الوقت الذي بدأت فيه دول عربية أخرى تقوم بعملية التطبيع معه.
جريدة الديار