الأخبار ـ رحيل دندش
لبنان مقبل هذا الصيف على حرائق قد تأتي على نصف مساحته. الأسوأ من أن نعلم ذلك، هو أننا «لسنا جاهزين للتعامل مع الحرائق الآتية، ما يعني أن غالبية غاباتنا معرّضة للاختفاء»، بحسب مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند الدكتور جورج متري.
آخر الدراسات التي أجراها المعهد، بالتعاون مع وزارة البيئة، تشير إلى أن 15 في المئة من مساحة لبنان (الشمال والجبل حيث الكثافة في الغطاء الحرجي والنباتي) معرّضة هذا الصيف لاشتعال حرائق خطرها «مرتفع جداً»، فيما 34 في المئة من هذه المساحة معرضة لحرائق يتراوح خطرها بين «مرتفع» و«متوسط».
الحريق الهائل الذي اجتاح نهاية الأسبوع الماضي جرود وتلال بلدتي حربتا وصبوبا وصولاً الى مقام النبي موسى في البقاع الشمالي ليس الأول ولن يكون الأخير، وإن كان الأضخم في «موسم 2019». وهو بيّن صحة «عدم الجهوزية» التي تحدّث عنها متري. إذ أن استنفار مروحيات الجيش ومراكز الدفاع المدني السبعة في البقاع الشمالي، والمواطنين بما يمتلكون من وسائل بدائية، لم يحل دون انتشار الحريق وإعادة تجدّده حتى أتت النيران «على نحو 500 ألف متر مربع من أشجار الملّول والسنديان وشجر اللزاب المعمّر»، بحسب رئيس بلدية حربتا كمال المولى، كما لامست ألسنة اللهب المناطق السكنية.
إقرار لبنان منذ عام 2009 «الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات» لم يحل دون بقاء «الموسم» سنوياً. لا بل بات يُبكر في قدومه عاماً بعد آخر متسبباً بخسائر جسيمة في البيئة والطبيعة والاقتصاد. فيما لا يزال التعاطي مع الحرائق يتم كرد فعل مرتجل على وقوع الكارثة.
المعدل السنوي للمساحات المحترقة يقدر بنحو 1200 هكتار (أكثر من عشرة ملايين متر مربع) ويصل أحياناً إلى 1800 هكتار، و«هذه نسبة كبيرة مقارنة بما تبقى من مناطق حرجية في لبنان» وفق متري الذي يفند أسباب الحرائق بين مباشر وغير مباشر. في الأسباب المباشرة قيام المزارعين بتنظيف الأراضي عبر إشعال النار في الأعشاب اليابسة، الألعاب النارية التي يكثر استخدامها صيفاً، إضرام النار في مكبات النفايات القريبة من المناطق الحرجية، الأنشطة التي تقام في الغابات حيث تشعل النار في بعض المخيمات من دون التأكد من إخمادها تماماً، رمي أعقاب السجائر على الطرقات حيث الأعشاب اليابسة، إضافة إلى افتعال الحرائق. وفي الأسباب غير المباشرة يندرج عدم صيانة الغابات وإهمال الغطاء الحرجي والنباتي. «ففي الماضي كانت هذه الغابات تشحّل وتُفرد، أما اليوم فتتراكم النباتات التي تتيبّس خلال الصيف، وهذه تعدّ وقوداً في علم الحرائق».
وفق، متري فإن خطر الحرائق مرتفع هذا الصيف «نظراً لكمية الأمطار الكبيرة التي شهدها لبنان الشتاء الماضي والتي أدت إلى نمو النباتات التي أصبحت أعشاباً يابسة. ومن العوامل أيضاً فترة الجفاف التي صارت تطول إلى 6 أشهر». ويوضح أن «الفترة الحرجة بالنسبة لوقوع الحرائق كانت سابقاً تبدأ في تموز وتستمر الى تشرين الأول، ولكن في السنوات الأخيرة صارت تبدأ في آذار وقد تمتد حتى بداية كانون الأول»!
كل ذلك يستوجب إجراءات طارئة، أولها تفعيل خطة الطوارئ والتعاون بين الوزارات (البيئة، الزراعة، الداخلية والبلديات، الدفاع) والإدارات المعنية للتصدي لخطر الحرائق, وكذلك تفعيل هيئة إدارة الكوارث برئاسة مجلس الوزراء، وتحديث قانون الغابات الصادر في 7/1/ 1949 (وهو من أقدم القوانين) والقانون الرقم 85 الصادر عام 1991 عبر «تمديد» فترة موسم الحرائق، مع ما يعنيه ذلك من منع إشعال النار على مسافة أقل من 200 متر من الغابات، وغيرها من الإجراءات الوقائية التي فصّلها القانون، فضلاً عن تشحيل وتفريد الغابات الصنوبرية ضمن خطة إدارية تشرف عليها وزارة الزراعة للتخفيف من خطر الحرائق.