الجمهورية ـ عماد مرمل
عندما تشكلت الحكومة الحالية، كان هناك انطباع بأنها ستكون مختلفة عن غيرها، أولاً لأنها حكومة العهد الاولى وفق تصنيف رئيس الجمهورية، وثانياً لأنها أتت ترجمة لانتخابات نيابية تمّت على أساس النسبية للمرة الاولى، والأهم لأنّ المخاطر الاقتصادية والمالية التي تداهمها باتت تتطلب سلوكاً من نوع مغاير. لكنّ التجربة حتى الآن لم تكن لا على قدر التوقعات ولا على قدر التحديات.
يحضر الخوف من الانهيار والافلاس في كل الادبيات السياسية هذه الايام، ويكاد لا يختلف اثنان على انّ لبنان يترنّح فوق حافة الهاوية، بعدما ضاق الخناق الاقتصادي والمالي عليه وتضاءل مخزونه الاحتياطي من أكياس المصل. إلّا انّ هذه الحقيقة، المُثبتة بالارقام، لم تبدّل شيئاً في وتيرة المعالجة السلحفاتية لأزمة تتفاقم بسرعة قياسية، حيث انه مع صياح الديك، كل صباح، تزداد الاعباء على الخزينة وتتراجع القدرة على التكيّف معها.
ولعله من البديهي الافتراض انّ واقعاً قاسياً كالذي يرزح لبنان تحته يتطلّب عقد جلسات شبه يومية للحكومة كسباً للوقت، وبحثاً عن مخرج من النفق، إلّا انّ المفارقة انه حتى الجلسة الاسبوعية أصبحت طموحاً صعب المنال راهناً، بعدما تبّين انّ رصاص حادثة قبرشمون لم يقتل فقط ضحيتان، ولم يهدد حياة وزير واحد، بل أصاب مجمل مجلس الوزراء الذي يقيم منذ ايام في غرفة العناية الفائقة.
صارت حكومة الانقاذ بحاجة الى من ينقذها، وبدل ان تلتزم بشعار «هيّا الى العمل» إذا بها تنضمّ الى طابور العاطلين عن العمل. هكذا، أصبح مجلس الوزراء «خارج التغطية»، من دون ان تنفع لغاية الآن وساطة «عميد التسويات» نبيه بري او حركة مدير «الامن العام» اللواء عباس ابراهيم في إعادة جمع الشتات ولَمّ الشمل المبعثَر.
والأكيد، انّ الخلاف حول إحالة ملف جريمة قبرشمون الى المجلس العدلي لا يمكن ان يبرر التشظّي الحاصل في الجسم الحكومي، فإمّا ان يتم التوافق على المرجعية القضائية الصالحة لتشريح هذا الملف، وإمّا ان يجري اعتماد خيار التصويت الذي وُجد أصلاً من أجل التعامل مع الحالات التي تستعصي على التوافق والتفاهم.
وتستغرب أوساط مؤيّدة لخيار «الإحالة» هذا التحسس الزائد من قبل البعض حيال الاحتكام الى المجلس العدلي، معتبرة انّ الواثق في البراءة لا يجب ان يعترض على الركون الى المجلس، بل ينبغي ان يكون متحمّساً أكثر من غيره لإحالة القضية إليه حتى تثبت براءته، إضافة الى انّ من شأن تلك «الإحالة» تحصين الاستقرار ومنع الفتنة وتبريد الانفعالات والمساهمة في عودة الطمأنينة الى الجبل.
وإذا كان لبنان يخضع الى «امتحان جدارة» من قبل المجتمع الدولي، قبل مَنحه مشاريع «سيدر» وفق ما يؤكد اكثر من مسؤول، فليس معروفاً كم انّ واقع الحكومة المعطّلة سيفيد في هذا الامتحان الذي يجري على أساس «المنهاج الأوروبي».
والأغرب في هذه اللحظة المفصلية، انّ معركة صلاحيات صامتة حيناً وصاخبة أحياناً تدور على ضفاف مجلس الوزراء بين الرئيس سعد الحريري وبعض مكونات حكومته، بعد الملابسات التي رافقت تأجيل الجلسة الوزارية أخيراً، ما دفعَ الحريري الى توجيه رسائل مباشرة الى من يهمه الأمر بأنّ مفتاح ابواب الحكومة موجود في جيبه حصراً.
ويؤكد قريبون من الحريري انه لا يزال يعطي فرصة لمساعي التهدئة والمعالجة، وينتظر ما يمكن أن تؤول اليه في الايام المقبلة، لكنه لن يبقى منتظراً الى ما لا نهاية في مرحلة لم تعد تجوز فيها إضاعة الوقت.
ويشير هؤلاء الى انّ الحريري يعتبر انّ الكل مسؤول عن التعطيل، إلّا انه هو من يقرر في اللحظة المناسبة الدعوة الى انعقاد مجلس الوزراء وكذلك تحديد جدول أعماله بالتشاور مع رئيس الجمهورية. ويضيفون: الحريري حريص على حماية صلاحياته كرئيس للحكومة وممارستها بدقة، وهذا ما فعله سابقاً، وما سيفعله لاحقاً في التوقيت الذي يراه مناسباً، تبعاً لمقتضيات المصلحة الوطنية.
ويلفت المحيطون بالحريري الى انّ الخيارات ليست واسعة أمام المكونات السياسية في الحكومة، وهي محصورة في اثنين: الانتظام تحت سقف المؤسسات، او الذهاب الى المجهول.