النائب فادي علامة – مقرّر اللجنة الفرعية لقانون المنافسة
أخذ موضوع الوكالات الحصرية والبحث في إمكانية الغائها حيزاً كبيراً من الجدل، حيث كانت أولى المحاولات الجدّية لإلغاء هذه الوكالات في تسعينيات القرن الماضي، ولم تصل إلى غايتها المرجوة منذ ذلك الحين، لتضارب المصالح وقوة «لوبي» الهيئات الاقتصادية الضاغط لاستمرار الوكالات، ونتيجة ذلك، فشلت السلطة مجدّداً في الاتفاق حول مشروع قانون أعدّته الحكومة في العام 2002 لإلغاء تلك الوكالات.
يعتبر مؤيّدو الوكالة الحصرية، أنّ ذلك يضمن جودة المواد للمستهلك، وأنّه لا يحدّ من الحرّية، بل يضمن حق الاستثمار بالاتفاق مع المصدر الخارجي للسلع. في المقابل، الواقع يكشف أنّ عدد الوكالات الحصرية المسجّلة في السجل التجاري للشركات يفوق 3380، بينما لا يتجاوز العدد 315 في وزارة الاقتصاد، وبالتالي فإنّ عدداً قليلاً من الأشخاص يتحكّمون بكثير من السلع والتي ليست كلها من الكماليات كما يصوّر البعض، مع تطور تفسير مصطلح الكماليات بمرور الزمن، حيث ما كنا نعتبره من الكماليات منذ عشرات السنين، بات ضرورياً في أيامنا هذه. أضف إلى ذلك، تعارض مفهوم الوكالات الحصرية مع الاقتصاد الليبرالي، وقد انتفى وجود الوكالات والاحتكار في كثير من الدول الغنية بسبب فتح الأسواق العالمية، ولبنان كان من الدول الموقّعة اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في هذا الخصوص.
وعلى الرغم من كل ما ذكرنا أعلاه، ما زال المرسوم الاشتراعي الرقم 34/67، والذي تنص المادة الثانية منه على أنّه: «يمكن أن يتضمن هذا العقد بنداً يحصر التمثيل…» هو السائد إلى يومنا هذا، حيث وضع الدولة اللبنانية في موضع الحامي لهذه الوكالات الحصرية والراعية قانونياً للإحتكار.
ومع انهيار الوضع الاقتصادي والنقدي والمالي والصحي (جائحة كورونا)، كان لا بدّ من إعادة النظر في التشريعات النوعية التي تحاكي المرحلة الجديدة، وتشكّل عنواناً إصلاحياً في رؤية الدولة وبرنامجها، فكان منها، لا بل على رأسها، إقتراح قانون إلغاء الوكالات الحصرية ومنع الإحتكار، والذي كان لي وعدد من الزملاء، شرف تقديم الإقتراح الاول بهذا الخصوص في المجلس النيابي الحالي، وذلك في حزيران 2020، بعدما لمست الواقع المتدهور إقتصادياً وإجتماعياً، وغياب فرص العمل مع تزايد نسبة البطالة بنحو مخيف، وغياب المنافسة وارتفاع الأسعار جنونياً، فكان الهدف الأساس للاقتراح، تحقيق المنافسة المشروعة وتأمين فرص عمل وتخفيض الأسعار. فهناك من يعتبر أنّ إلغاء الوكالات الحصرية يساهم في تدني الأسعار بنسبة 28%.
ولا أذيع سراً إن قلت، إنّ الفكرة في بدايتها كانت أشبه بحلم، وتلقيت كثيراً من النصائح لعدم المضي والزملاء في الإقتراح، لأننا لن نصل الى النهاية المرجوة. ولكن في الواقع، فرض اقتراح القانون نوعاً من النقاش الفكري والقانوني المعمّق لواقع الوكالات الحصرية، وتبعته مجموعة من الاقتراحات بهذا الخصوص، حيث تمّ دمجها ورفعها إلى لجنة فرعية في المجلس النيابي.
على مدار عام ونصف عام، درست اللجنة الفرعية اقتراحات القوانين ومناقشتها ومقارنتها في إطار قانوني وعلمي، أخذ واقع السوق اللبنانية وحجمها أساساً في النقاش، بمشاركة معظم المعنيين في هذا المجال، من هيئات اقتصادية ورقابية وإنتاجية، بالإضافة إلى مواكبة دقيقة من وزارة الاقتصاد.
وقد إستمعنا خلال أشهر إلى كثير من الآراء والملاحظات، منها ما هو مع إقرار قانون كهذا يُنصف المستهلك ويفتح السوق اللبنانية للمنافسة المنظّمة والوكالات المتعددة، مع المحافظة على الجودة والنوعية وبأسعار تفضيلية لم نعتد عليها للأسف على مدار العقود الماضية.
في المقابل، هناك اصوات و»مجموعات» تعارض ما نطرحه، وتحمل وجهة نظر مختلفة تجعلها تتحفظ عن إقرار قانون كهذا.
وقبل إطلاق الأحكام غير الواقعية على اقتراح القانون، والذي من المتوقع أن يُدرج على جدول أعمال الهيئة العامة للمجلس النيابي في الجلسة المقبلة، لا بدّ من الإشارة إلى أهم ما جاء فيه:
• أولاً: الحدّ من إساءة الوضع المهيمن عبر آليات محدّدة.
• ثانياً: الحدّ من الاحتكار ومحاسبة المحتكرين.
• ثالثاً: الاتفاقية ومضمونها الأفقي والعمودي.
• رابعاً: التبعية الاقتصادية وتقييد الحركة.
• خامساً: الوكالات الحصرية وإلغاؤها والمتوقع حسم مصير هذه النقطة (المادة الخامسة) في الجلسة التشريعية المقبلة.
• سادساً: مجلس وهيئة تنفيذية للمنافسة.
أخيراً، ومع اقتراب مناقشة هذا القانون النوعي والإصلاحي لما فيه مصلحة الاقتصاد والمستهلك في الهيئة العامة، الأمل معلّق على الزملاء للنظر إلى اقتراح قانون المنافسة، كفرصة حقيقية للتخفيف من آلام الشعب وفتح الأسواق للطامحين في مزاولة التجارة، لإغناء الاقتصاد وفتح أسواق جديدة، ينتج منها فرص عمل تخفف من هجرة طاقات المجتمع الشبابية وتفتح فرص استثمار حقيقية للشركات الصغيرة والمتوسطة.
وبعيداً من المصالح، جميعنا مدعوون الى وقفة ضمير تجاه الشعب اللبناني المظلوم، الذي يعيش معاناة يومية في واقع إقتصادي وإجتماعي منهار، لنكن على قدر المسؤولية، بإقرار الإقتراح، ونجعل التاريخ يسجّل أننا اتفقنا بمختلف فئاتنا على ما فيه مصلحة المواطن والوطن .