خاص ليبانون تايمز- الإعلامية هلا الحاج حسن
لم يعد خافياً على أحد صعوبة الوضع المعيشي في لبنان، ولا سيّما لجهة تأمين الأساسيات الحياتية، من مأكل، ومشرب، وإستشفاء، ودواء، وغيرها، وهو الأمر الذي وضع المجتمع اللبناني تحت وطأة الضيق والحاجة، وطوابير الذل.
إن الحالة الإجتماعية والإقتصادية المذلة التي وصلنا إليها اليوم، هي ما دفع الإمام الصدر إلى إطلاق حركته، حركة المحرومين، حتى لا يبقى محروم. هي التي دفعته يومذاك إلى الدفاع عن الفقراء والمحرومين، ووضع نصب عينيه العناية بهم، والمطالبة بحقهم في الحياة، ولكن وبعد مرور العقود ها هو التاريخ يعيد نفسه، ونعود إلى الآتون نفسه، نشرب كأس الذل في مجتمع يفترض أن يكون من المجتمعات المتقدمة في الشرق الأوسط، ويملك كل العناصر الفكرية كي يتمايز، مجتمع أسس له الإمام، ووفّر له أسباب التقدم والازدهار.
إن صوت الإمام الصدر الذي دوّى في سماء لبنان، لا يزال يسمع صداه في قلوبنا، وتحتضن حروفه حنايانا، فهو الذي تصدى للظلم والظالمين، ووقف سداً منيعاً بوجه الاحتكار، والتهميش، والتجارة بأرواح البشر؛ فقد آثر المصلحة العامّة على مصلحته الشخصية، والتزم صوت الحق الذي يعلو ولا يُعلى عليه، واستمر في الدفاع عنه حتى في أحلك الظروف وأخطرها، ولم يبالِ بالنتائج يوم أصبحت الاغتيالات الفكرية والجسدية لغة لتصفية المفكرين والتنويريين والمصلحين.
لم يهبِ الإمام الطغاة، ولم يتخاذل أمام المستكبرين، وظلت هموم الناس وشكواهم ديدنه في مسيرة حياته، فهو أب اليتامى، وسند الخائفين، وإمام المظلومين، ومعيل الفقراء والمحتاجين. لم يتنكّر لمن هم من غير دينه، ولم يأل جهداً في مساعدتهم ورفع صوتهم، فكان نعم النصير. هو الذي حرّض المجتمع الخانع آنذاك على الوقوف بوجه الظلم والظالمين، وندّد بالأنظمة التي تزيد هموم الناس، ولا ترعى مصالحهم، وتنكر للسياسات التي تضاعف الحرمان بدلاً من رفعه.
“بطبيعة موقفي الاجتماعيّ، وللمحافظة على الأمانة التي هي حاجات الناس ومصالحهم، لا بدّ من وضع اليد على الجرح والإصرار على دفع الحرمان وتحقيق المطالب التي نادينا بها في مذكّراتنا، فإذا لم يتمكّن النظام الحاليّ من تحقيقها فقد أدان نفسه وحكم على نفسه بالسقوط”.
بعد مرور 43 سنة على تغييبك، نرى أن العجلة تعود إلى نقطة الصفر، فقد عاد الحرمان، وعادت معه كل أشكال الظلم التي تصدى لها الإمام، وبتنا نرى الطوابير أمام المخابز والأفران، وأمام محطات الوقود، وبات تأمين الاحتياجات الأساسية للحياة همٌّ كبير، وبات السواد الأعظم من الناس تحت خط الفقر، ولم بعد تأمين الدواء والحليب للأطفال ممكناً، وزاد الاحتكار، وانقلب التجار على الشعب، وضاع الحق والحقيقة، فالناس يقتلون بالعشرات والمئات ولا تصل التحقيقات إلى إدانة أحد، وما أبشع أن يضيع الحق، وتضيع معه الاخلاق، ويضيع الدين، فهل هذا هو البلاء الذي جنيناه على أنفسنا ليتحقق قولى المولى عزّ وجلّ في سورة الإسراء الآية 16 “وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا”؟
نحن نقف اليوم على على حافة الانهيار، ولم يزل صوت الإمام الحسين (ع) يقول “هيهات منّا الذلة”، وصوت الإمام الصدر يقول “إننا حسينيون، ومعنى إقامتنا لمأتم الحسين، ومعنى تذكّرنا للحسين في كلّ سنة ومعنى قولنا دائمًا: يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزًا عظيمًا، أننا نجد الحسين بيننا، فسألت نفسي: لو كان الحسين في هذه الأيام بيننا ماذا كان يعمل؟ هل كان يصبر؟ وإخوان له، وجيران له، ينزحون تحت البرد والجوع والذلّ. إذا كان هكذا، كيف نفسّر قول الرسول الأكرم: ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعانًا وجاره جائع، من بات آمنًا وجاره خائف، من بات صحيحًا وجاره مريض، من بات غنيًا وجاره فقير، ما آمن بالله واليوم الآخر. هل يمكن للحسين أن يصبر على ذلّ جيرانه، وبرد جيرانه، وخوف جيرانه؟ بل إخوانه في الدين، إخوانه في الوطن، يمكن أن يصبر الحسين فيجد التخاذل ويجد الإهمال، ويجد السكوت”. فهل سنكون حسينيين، صدريين، نأبى الظلم، ونمقت الفساد، ونسير على خطى الإمامين؟
كنا ولا نزال على نهج الإمام الصدر، ونتابع المسيرة حاملين لواءه خلف راعي المسيرة دولة الرئيس الأخ نبيه بري، نوقظ الهمم كي نرفع الظلم والفساد، ونكمل حركة المحرومين، لأننا اليوم أشد حرماناً.
ما أحوجنا إليك سيدي اليوم، ما أعوزنا إلى كلماتك تنطلق من هنا وهناك، من الجامع، والحسينية، والكنيسة، والدير، وما أحوج الأمة إلى نبراسك.
سلام لك من ربوع لبنان الذي أحببت، وصوتنا الذي يغص بالبكاء لضيق ما وصلت إليه حالنا، نقول لك، “على العهد باقون”.