السيد محمد باقر الصدر، هو فقيه ومفسر، ومفكر وقائد عراقي. درس العلوم الدينية عند كبار علماء الحوزة العلمية في النجف، واستطاع أن يصل إلى مرتبة الاجتهاد في سنين مبكرة، وبدأ بتدريس العلوم الدينية في حوزة النجف. وقد كان مؤلفاً في مجالات مختلفة، كالاقتصاد الإسلامي، والفلسفة الإسلامية، وتفسير القرآن، والفقه، وأصول الفقه، إضافة لكتابه في نظرية المعرفة وهو الأسس المنطقية للاستقراء. لم يكن الصدر غائباً عن الحياة السياسية، فقد أسس حزب الدعوة الإسلامية، وأصدر فتواه الشهيرة بحرمة الانتماء لـحزب البعث العربي الاشتراكي، كما أنّه أول من دعى إلى إسقاط نظام البعث. إستشهد الصدر هو وأخته العلوية بنت الهدى على يد رجال الأمن في نظام الطاغية صدام حسين بتاريخ 9-4-1980.
للإضاءة على محطات حياة السيد محمد باقر الصدر، كان لموقع “ليبانون تايمز” حديث مع عضو هيئة الرئاسة في حركة أمل الحاج خليل حمدان، الذي شرح أنّ مؤلفات الشهيد السيد محمد باقر الصدر حاكت العصر، أجابت على أسئلة حائرة منذ فترة طويلة للغاية، لم يجيب عنها أساطير العلماء. منها كتاب فلسفتنا وإقتصادنا والأسس العلمية للإستقراء، وأيضا هناك مباحث وكتب ومؤلفات في علم الأصول، ومؤلفات تتحدث عن التفسير الموضوعي للقرآن الكريم. كلها فتوحات علمية كبيرة جداً، لاقت رواجاً في مطلع 1970 ومن قبل بقليل بحيث تلقفها المثقفون وبدأوا بتعميم هذه الفكرة، حتى أن كبار العلماء في مصر وفي دول أوروبية بعدما ترجم “الأسس المنطقية للاستقراء” غَلوهم الطروحات والنظريات التي قدمها الشهيد الصدر، فلذلك شكلت جسر عبور للمثقفين الذين التقطوا الأطروحة المناسبة، تحاكي العصر في هذه المؤلفات التي جاء بها، نتيجة لجهود كبيرة ومضنية بذلها في مقتبل العمر.
العلاقة بين السيد محمد باقر الصدر والإمام السيد موسى الصدر
بدأت معرفة السيد محمد باقر الصدر بالإمام السيد موسى الصدر، في مطلع الخمسينيات، كما أنه هناك صلة قرابة.
ففي الذكرى السنوية الأولى لوفاة السيد صدرالدين الصدر، أقام العلماء ذكرى سنوية لوفاته عام 1953، وهناك جرى التعرف عن قرب بين الإمام السيد موسى الصدر والشهيد السيد محمد باقر الصدر، وإكتشفوا بعضهما البعض، بحيث أن الإمام السيد موسى الصدر بدأ بمؤلفات تحاكي العصر من منطلقات رسالية وإسلامية، والشهيد الصدر كان في نفس الوجهة ونفس الإطار.
في الوقت الذي كان فيه الإمام السيد موسى الصدر يشرف على مجلة “مكتب إسلام” في قم التي كانت تتعاطى بشؤون حديثة وعصرية، خاصة في مجال الإقتصاد ورؤية الإمام الصدر للإقتصاد وعدد من الباحثين، كان السيد محمد باقر الصدر قد شرع في كتابة كتاب “إقتصادنا” أيضاً .
وأثناء وجود الإمام الصدر في العراق، كان هناك الكثير من التباحث العلمي بين السيد محمد باقر الصدر والإمام موسى الصدر، وبالتالي كان هناك تقارب من حيث المنطاقات لمعالجة أطروحات في صميم الازمات التي يعيشها العالم العربي والعالم الإسلامي والعالم أجمع، وكان هناك مدخل لإثبات وجهة النظر الإسلامية بنصّ عصريّ يتناول موضوعات تهمّ الناس، سواء كانوا من المثقفين أو غير مثقفين، وخاصة مثل البنك الربوي في الإسلام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، ورؤية الإمام السيد موسى الصدر في المواضيع الإقتصادية العديدة.
إهتمامات السيد باقر الصدر العلمية والسياسية والإسلامية
السيد محمد باقر الصدر كان بشكل عام يتعاطى بشكل إيجابي مع حركات التحرر الإسلامية، وكان يشجع كلّ القوى لكي تتخذ الموقف المناسب من الظالم على أسس فكرية وعقائدية، وعلى أساس إثبات الحضور في نفس الوقت.
كان همّ الشهيد يتركّز في البحث العلمي واللقاءات الحوزوية والتباحث، ودخل إلى الميدان العلمي على مستوى العالم. بهذا الأمر لا بدّ أن يلتقي مع الحراك السياسي للمنطقة ككلّ. وبشكل عام وأساسي وجذري كان يحذّر من السكوت عن الظالمين، وكان يحض على ضرورة التمسك بالحقّ وإتخاذ الموقف الحسيني المناسب، وجعل للناس أن يكون هناك مثل عليا وليس مثل سفلى.
فبالتالي، النهج السياسي شكّل رافعة أساسية للمضيّ في طريق الثورة على درب الإمام الحسين عليه السلام. ومن هنا، كان يحيا الإمام موسى الصدر على نهجه التبشيري للسيد باقر الصدر، والمنطلقات الأساسية التي ترتكز إلى الإيمان الحقيقي بالله سبحانه وتعالى، الإسلام القرآني كما يفهمه الإمام السيد موسى الصدر، وكان معجب بأداء الإمام السيد موسى الصدر في لبنان، بمطالبته بحقوق المحرومين والمستضعفين من جهة، وبناء المؤسسات على مستوى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والمؤسسات الإجتماعية والتربوية والثقافية.
كان الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر واسع الإطلاع، كان يقرأ العديد من الكتب. وكما يخبرنا العديد من طلّابه أنه كان يحثّ على التعرف على أفكار الآخرين، ولذلك عندما كتب “فلسفتنا وإقتصادنا”، فلا يمكن أن يأتي بهذا النتاج الكبير دون أن يكون مطّلعاً على الأفكار الرأسمالية مثلاً، أو الأفكار الماركسيّة والشيوعيّة.
ولذلك عندما أراد أن يحدد موقفه من الرأسمالية والإشتراكية والشيوعية لا يمكن أن يصل إلى نتائج من دون أيكون قد إطلع عن كثب وبدقّة على أفكار الآخرين.
لذا، نجده في هذا الكتاب قد إطلع على مؤلفات المؤخرين والمتقدمين، وبنى نظريته الفلسفية بين هذه الرؤى منتقداً هذا ومنتقداً ذاك، ومعلناً صواب الرؤية التي يريدها. وقد كان شديد الإطلاع على ثقافات الآخرين، وملمّ بالثقافات الأخرى.
كتابه “الأسس المنطقية للإستقراء” أذهل الكثير من العلماء حتى دُرّس في جامعات في ألمانيا، وترجم إلى لغات عدّة: ألمانية- فرنسية- وإنكليزية…
وللشهيد الصدر علم دقيق بالرياضيات، لا يمكن لإنسان أن يبحث في مثل هذا الكتاب دون أن يكون قد وصل إلى مرحلة متقدمة في علم الرياضيات.
شخصية في هذا الحجم لا يمكن أن تنحصر في منطقة جغرافية محدّدة، كانت أفكاره تصل إلى العالم أجمع، وأقتنيت كتبه من العديد من المكتبات الجامعية في دول العالم.
له الكثير من الدراسات والأبحاث في غير الفكر الإسلامي البحت، كان في الفكر المعاصر له المزيد من هذه الأفكار. وبالتالي، حوّل النظريات العامة والخطوط العريضة إلى تفاصيل يمكن أن تأخذ موقعها داخل المجتمعات وداخل الدول.
وكان الإمام موسى الصدر أيضا يتماهى في تحويل الأفكار إلى واقع عملي في الإهتمام بشؤون الناس والمحرومين، ليس فقط شعارات عامة إنما مؤسسات لها وجودها ومكانها في المجتمع وبين الناس.