خاص ليبانون تايمز- حسن الدّر
لأنّ قيمة كلّ امرئ ما يحسنه، وباسيل لا يحسن غير التّذاكي والتّباكي والشّقاق والنّفاق، ولأنّ قيمة الكلام من قيمة قائله، اكتفت مصادر عين التّينة بجملة واحدة، فيها من الحكمة ما فيها من التّرفّع عن الانحدار في دركات مؤتمر باسيل الأخير: “من كان الكلام لا يكفيه لعلّ الصّمت يشفيه”.
جبران باسيل مصاب بداء “حداثة النّعمة” الّتي سرعان ما حولّها إلى نقمة، فارتدّت عليه وعلى وليّ نعمته، وعلى شريحة، كانت واسعة، من “العونيين” الّذين صدّقوا الوعود وآمنوا بالشّعارات، قبل أن يصطدموا بالواقع، فمنهم من انقلب، ومن انسحب، ومنهم من لا يريد أن يصدّق بأنّه بنى أحلام الدّولة على أوهام السّلطة!
ولكي نصدّق أنّنا نتعامل مع شخصيّة سياسيّة موزونة، سنحاول الدّخول إلى عقل باسيل، لنعطي لأنفسنا مبرّرًا للكتابة، وإلّا، فإنّ كلامنا يكون ضربًا من الجنون في ظلّ العصفوريّة الّتي نعيشها.
من المؤكّد أنْ ليس لدى باسيل ما يخسره بعد الخسارات الكبرى الّتي ألحقها بنفسه وتيّاره وعهد الرئيس ميشال عون، فبعد العقوبات الأمريكيّة عليه، وقبل العقوبات الأوروبيّة الّتي باتت شبه مؤكّدة، خصوصًا بعد زيارة مسؤول السّياسة الخارجيّة في الاتّحاد الأوروبيّ “جوزيف بوريل” الّذي أكّد أنّ المساعدات الخارجيّة لن تتدفّق من دون حكومة تعمل مع صندوق النّقد الدّولي وتنفّذ الإصلاحات وتعالج الفساد، وبعد تضعضع شعبيّة التّيّار الوطنيّ الحرّ منذ بدء حراك ١٧ تشرين إلى اليوم، لم يبقَ أمام جبران باسيل سوى التّعويل على المتغيّرات القادمة في المنطقة.
الاتّفاق النّووي بين إيران والدّول السّت يسير بخطى متسارعة، وقد تمّ التّمهيد للجولة السّابعة من المفاوضات بسحب القوات الأمريكيّة لمنظومات الدّفاع الجويّ من الدّول الواقعة تحت تأثير الصّواريخ الإيرانيّة، وهذه إشارة بالغة الأهميّة إلى ملامح اتّفاق ما، حول منظومة إيران للصّواريخ الباليستيّة.
كما أنّ وصول السّيّد ابراهيم رئيسي إلى سدّة الرّئاسة مؤشّر إيجابيّ يصبّ في تسهيل توقيع الاتّفاق، عكس ما فهمه بعض المحلّلين، لأنّ رئيسي، المقرّب جدًّا من السّيّد الخامنئي يملك من القوّة ما يخوّله اتّخاذ قرار توقيع الاتّفاق بمرونة وسلاسة، وبصيغة التّحدّي للادارة الامريكيّة، وبالتّالي تخفيف الضّغط الاقتصاديّ المفروض على الشّعب الايراني، وتحرير حركة إيران السّياسيّة في المنطقة، وتحريك عجلة التّبادل التّجاري الاقليميّ والعالميّ.
وعليه، يدرك باسيل بأنّ الجمهوريّة الاسلاميّة الايرانيّة استطاعت فرض نفسها لاعبًا شرعيًّا في المنطقة، بقوّة الارادة والتّحدّي.
يمكننا هنا تحليل مواقف باسيل الأخيرة، ربّما يظنّ بأنّ الفرصة مناسبة لخلط أوراق داخليّة وفق المتغيّرات الخارجيّة، والذّهاب إلى صيغة لبنانيّة جديدة تمكنّه من تحقيق شيء من الشّعارات الّتي قام عليها تيّاره، بوصفه شريك مضارب لحزب الله المرتبط عضويًّا وعقائديًّا بالجمهوريّة الاسلاميّة الايرانيّة، إضافة إلى المؤشّرات الدّالّة على عودة سوريا إلى الحضن العربيّ، وتفعيل دورها السّياسيّ انطلاقًا من لبنان.
ومن هنا يمكننا فهم التّناقض الّذي وقع به باسيل في مؤتمره الصّحفيّ، بين مطالبته “بالحقوق المسيحيّة” وبين تجيير ملف “تحصيل حقوق المسيحيين” للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله!
يحقّ لباسيل “الغريق” أن يتعلّق بقشّة، ويجب علينا، نحن العائمين على بحر المنطق والواقعيّة أن نبيّن بعض الحقائق لما تبقّى من مناصري التّيّار الوطنيّ الحرّ، رأفة بلبنان، وحماية للتّنوّع الّذي يميّزه:
أوّلاً: حزب الله لن يصرف حروبه وانتصاراته وتضحياته في الدّاخل اللّبناني، كما يؤكّد أمينه العام باستمرار، وإذا فكّر بصرف تاريخه داخليًّا، فلن يصرفه إلّا في سبيل تعزيز دور وحضور طائفته الّتي ضحّت وعانت على مدى عقود من الزّمن.
ثانيًا: إنّ التّكامل بين حزب الله وحركة أمل ثابت، وكلّ التّفاهمات الأخرى متحرّكة، والأقربون الّذين ضحّوا وعانوا وصبروا وتحمّلوا أولى من كلّ الآخرين بجني ثمار تضحياتهم.
ثالثًا: لن يأخذ الحزب من حقوق الطّائفة السّنّيّة لصالح المسيحيين، في ظلّ الحساسيّة المستدامة بين السّنّة والشّيعة، والثّنائي ومن خلفه إيران حريصون على تبريد التّوتّر السّنيّ الشّيعيّ، والحفاظ على السّلم الأهلي وصون العقد الاجتماعيّ.
رابعًا: يسعى الثّنائي لتطوير النّظام اللّبناني، والذّهاب نحو دولة مدنيّة تضمن حقوق جميع المواطنين على أساس الكفاءة والنّزاهة، بدل تعزيز منطق الطّائفيّة الّذي أرجعنا سنين إلى الوراء، والّذي يدفعنا اليوم إلى الهاوية الاقتصاديّة والاجتماعيّة وربّما الأمنيّة.
أخيرًا، ومن منطلق الحرص على لبنان وشعبه، نذكّر بمقولة الإمام موسى الصّدر في وجه عتاة المارونيّة السّياسّة: “اعدلوا قبل أن تبحثوا عن وطنكم في مقابر التّاريخ” ونُسقط تلك المقولة على واقعنا اليوم، بتعديل طفيف، وفي وجه جبران باسيل وفريقه هذه المرّة: “اعقلوا قبل أن تبحثوا عن اللّبنانيين في مجاهل الغربة”، فالنّاس تئنّ تحت وطأة الأزمة المعيشيّة، ولا يهمّها خطابكم الطّائفيّ الّذي جعلكم أ”كثر شخصيّة بغضًا في لبنان”، حسب صحيفة “ذا تايم” الأمريكيّة!