خاص ليبانون تايمز_ حسن الدّر
إذا كان بعض اللّبنانيين في شكّ من صحّة خيار انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة اللّبنانيّة، فلا بدّ وأنّهم أيقنوا خطأهم، بعدما فرغوا من أداء طقوس الذّلّ والاهانة في الطّوابير الطّويلة أمام محطّات الوقود والصّيدليّات والأفران، وانتقلوا إلى مرحلة “التّجاوز”، بحثًا عن مخارج آمنة من هذه البؤرة الجغرافيّة المخيفة!
لقد تجاوز اللّبنانيّ العهد ورئيسيه عون وباسيل، لكنّه تجاوزٌ على “قاعدة الخلف”، عودًا إلى عقود، من الرّجعيّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة، فعاد لبنان إلى زمن العصبيّة القبليّة والمذهبيّة والمناطقيّة، وقريبًا جدًّا سيعود إلى عصور البدائيّة الحياتيّة والاجتماعيّة!
ضاع لبنان الأخوين رحباني بين الحقوق الباسيليّة والصّلاحيّات الحريريّة، بعدما وضع كلّ منهما شمّاعة يعلّق عليها فشله بقذفه على الآخر، فالأوّل معزول عن عمقه الغربيّ، معاقب بتهم الفساد الّتي لا تحتاج إلى وثائق تدينه، والنّتائج المهولة في الوزارات الّتي تولّاها هو ومستشاروه تكفي لتبيّن حجم الفساد والفشل وسوء الادارة.
أمّا واقع البيئة الدّاخليّة للتّيّار الوطنيّ الحرّ فأشدّ مضاضة على باسيل وفريقه، فاستطلاعات الرّأي الّتي أجريت مؤخّرًا أظهرت تراجعًا مخيفًا، والتّسونامي الّذي حمل إلينا الجنرال على أمواج من وعود بالاصلاح والتّغيير تحوّل إلى مزراب للهدر والسّمسرات والصّفقات المشبوهة.
وعلى قاعدة “عليي وعلى أعدائي” يقودنا العهد إلى جهنم بخطى ثابتة، ليسجّل لبنان في ظلّ العهد المشؤوم أرقامًا قياسيّة على مستوى العالم، فبعد انفجار مرفأ بيروت الّذي وضعته وكالة “رويترز” في المركز الرابع ضمن قائمة بأشدّ الانفجارات، تشمل 18 انفجارًا، فوجئنا أمس بما صدر عن البنك الدّوليّ الّذي أورد في تقريره الأخير، يوم أمس الثّلاثاء الماضي أنّه “من المُرجّح أن تُصنّف هذه الأزمة الاقتصاديّة والماليّة ضمن أشدّ عشر أزمات، وربّما إحدى أشدّ ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التّاسع عشر”!
في المقابل يقف الرّئيس المكلّف سعد الحريري في المنتصف، لا يقدم ولا يحجم، يضيّع الوقت بانتظار الرّضا العربيّ عمومًا والسّعودي خصوصًا، فلم تنفعه جولاته العربيّة ولا الغربيّة، “جاء بالتّمر ولم ينزع النّوى” كما غرّد السّفير السّعوديّ في لبنان عشيّة عودة الحريري من جولته الأخيرة على الامارات العربيّة وفرنسا، في “لطشة” واضحة الدّلالات السّياسيّة.
يدرك الحريري أنّ تشكيل حكومة من دون ضوء أخضر سعوديّ ستكون نسخة مكرّرة من حكومة الرّئيس المستقيل حسّان دياب، وسيحمل معها كرة النّار بين يديه ليحرق ما تبقّى له من أكثريّة في بيئته.
تلك البيئة الّتي عاقبته على تنازلاته السّابقة أمام باسيل، بدءً من الصّفقة الرّئاسيّة وما تلاها، وحين أدرك خطورة الوقوف على التّلّ وانتظار جلاء غبار الحرب المفتوحة بين محورين كبيرين، قرّر النّزول إلى السّاحة فوجد نفسه أعزلًا، والأوان قد فات، فطوى ورقة التّكليف، وعاد إلى التّلّ مجدّدًا!
حال الحريري ليس بأفضل من حال باسيل، الحريري مكشوف عربيًّا وباسيل مكشوف غربيًّا، وشارعهما ينتظر نتائج المبارزة الأخيرة بينهما، ليبني على الشّيء مقتضاه، وجمهور اللّبنانيين يقف بالطّوابير متفرّجًا، مضرّجًا بمفاعيل الانهيار، منتظرًا هول الارتطام الكبير!
بناءً على ما سبق، يدرك اللّاعبون اللّبنانيّون والاقليميّون والغربيّون بأنّ عمر الحكومة المفترض، هذا لو شُكّلت، لا يسمح لها بإجراء الاصلاحات المنشودة، ولا يمكّنها من تحقيق انفراجات ماليّة واقتصاديّة مرضية، وإذا كان ثمّة أمل بتشكيل حكومة قبل نهاية العهد، فالبحث جارٍ عن حكومة تدير الاستحقاقات القادمة، من انتخابات بلديّة ونيابيّة، ثمّ انتخابات رئاسيّة.
وفي حال تعذّر الاتّفاق على حكومة شبيهة بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام ٢٠٠٥، قد تصدق بعض الكتل النّيابيّة بالذّهاب نحو الاستقالة من المجلس النّوّاب، فيحلّ الفراغ الشّامل في كافّة مؤسّسات الدّولة، إلى أن تنجلي غبار المفاوضات الاقليميّة، ويوضع لبنان في سلّة الحلول القادمة.
ولكن، هل يتحمّل اللّبنانيّون عبء الأزمة الخانقة وما قد يصاحبها من مناوشات أمنيّة، وتفكّك اجتماعيّ، وربّما إدارات محليّة؟!