بلغ حجم الإنفاق العسكري العالمي في عام 2020، الذي عرف انكماشا اقتصاديا كبيرا بسبب جائحة كورونا، نحو 1981 مليار دولار. ولم يتم إنفاق هذا القدر الكبير من الأموال منذ عام 1988، حيث كانت فصول الحرب الباردة لا تزال متواصلة.
وعلى الرغم من أن نمو الاقتصاد العالمي قد انخفض بنحو 4.4 في المائة بسبب جائحة كورونا، بحسب صندوق النقد الدولي، إلا أن نفقات التسلح في جميع أنحاء العالم بلغت حاليًا 2.4 في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي، حسبما ذكر التقرير السنوي الأخير للمعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم (SIPRI)، أي بزيادة تقدر بـ 2.4 في المائة مقارنة بعام 2019.
الإنفاق العسكري رغم الجائحة
عدد قليل من الدول فقط، مثل تشيلي أو كوريا الجنوبية، هي التي خفضت من ميزانية الإنفاق على الأسلحة لصالح مكافحة وباء كورونا. البرازيل وروسيا بدورهما خفضتا ميزانياتهما العسكرية قليلاً – مقارنةً بما كان مخططا له، حيث خفضت الحكومة الروسية نسبة ميزانيتها العسكرية بنسبة 6.6 في المائة.
وتقول ألكسندرا ماركشتاينر، الخبيرة في معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، لـ DW، “بشكل عام، لم يكن للوباء تأثير ملحوظ على الإنفاق على التسلح العالمي في عام 2020”. ولخصت ماركشتاينر وضع التسلح في العالم بالقول: “ارتفع حجم الإنفاق العسكري في خضم التراجع الاقتصادي”.
ويعتقد نيكلاس شورنيغ من مؤسسة هيسين لأبحاث السلام والنزاعات (PRIF) في فرانكفورت أن ارتفاع حجم الإنفاق العسكري المسجل يعود إلى ما وصفه بـ “صعوبة تغيير الاتجاه في وقت قصير” في القطاعات العسكرية. وقال لـ DW: “يٌرجح أن العديد من المشاريع العسكرية قد تم إطلاقها قبل انتشار فيروس كورونا”. ولذلك يتوقع شورنيغ “أن تظهر التغييرات في المستقبل”. لكن في الوقت نفسه “لا يتوقع انخفاض الإنفاق العسكري العالمي مستقبلا”، والسبب في ذلك يعود إلى “تدهور الوضع الدولي، حسب شورنيغ.
الولايات المتحدة والصين هما الأكثر تسلحاً
وتبقى الولايات المتحدة والصين التي تزيد الهوة السياسية بينهما اتساعا هما الأكثر إنفاقا عسكريا من بين دول العالم. وينفق البلدان أكثر من نصف الإنفاق العالمي على التسلح. ألمانيا أيضًا زادت من حجم إنفاقها العسكري، حيث “حسنت” مركزها بين الدول “العشر الأوائل” الأكثر إنفاقا على المستوى العسكري، وتقدمت للمركز السابع بعدما كانت تحتل المركز الثامن في تقرير عام 2019.
وبحسب تقديرات المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم، فإن ألمانيا أنفقت 53 مليار دولار تقريبا على جيشها ومعداته العسكرية، وهو ما يعادل 1.4 من الناتج المحلي الإجمالي.
رغم ذلك تبقى ألمانيا بعيدة عن تحقيق هدف حلف الناتو المحدد في 2 في المئة من الناتج المحلي الذي تم الاتفاق عليه عام 2014، حيث أعلنت ألمانيا آنذاك عن رغبتها في الاقتراب من هذا الهدف خلال عشر سنوات. ويتنبأ نيكلاس شورنيغ من مؤسسة هيسين لأبحاث السلام والصراع بالاتجاه نحو زيادة الإنفاق على الجيش في ألمانيا، خاصة “في ظل تواصل ضغط الولايات المتحدة على حلفائها في الناتو على الرفع من حجم إنفاقهم العسكري”.
وقد يبدو اليوم أن إنفاق 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على النفقات العسكرية كثيرا نوعا ما، لكن ألمانيا كانت تنفق في بداية الستينيات في ذروة الحرب الباردة خمسة بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي لأغراض دفاعية.
حسب تقارير معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، فإن جميع الدول الثلاثين الأعضاء في حلف الناتو تقريبا زادت إنفاقها العسكري في عام 2020. في هذا السياق، يمكن القول إن جائحة كورونا أدت إلى ظاهرة غريبة، إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي لمعظم البلدان بسبب ظروف الجائحة، لكن رغم ذلك ظلت الميزانيات العسكرية لهذه الدول دون تغيير. مما يعني أن الإنفاق على التسلح آخذ في الازدياد مع الأخذ بالاعتبار تدني القوة الاقتصادية.
وقد حققت الآن 12 دولة عضو في الناتو هدف “الـ2 بالمائة” الذي حددوه لأنفسهم، بينما كان في عام 2019 تسع دول فقط تخصص 2 في المائة من ناتجها المحلي للنفقات العسكرية. ومن بين الدول التي حققت هذا الهدف خلال عام 2020 نجد فرنسا على سبيل المثال. وبشكل عام، تشكل النفقات الدفاعية لدول الناتو، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، حوالي نصف الإنفاق العسكري العالمي.
ويأتي ذلك في وقت يرتفع فيه منحنى الإنفاق على التسلح بشكل مطرد، لا سيما في الصين، التي تعرف زيادة في نفقاتها العسكرية لمدة 26 عامًا على التوالي. وقد صرفت الحكومة الصينية 252 مليار دولار على الجيش الصيني ومعداته في عام 2020. ورصد المعهد الدولي لبحوث السلام في ستوكهولم في الفترة بين 2011 و2020 زيادة في الإنفاق العسكري الصيني بلغت 76 في المائة، ويرجع المعهد ذلك إلى “الخطط الطموحة لتحديث أنظمة الأسلحة وخطط التوسع”.