اللواء عبد الرحمن شحيتلي
حتى لا يكرر التاريخ نفسه، وللعبرة نكتب هذه السطور ليتذكر اللذين واكبوا هذه الفترة، ولتعرف الاجيال اللاحقة حقائق لا بد من اظهارها:
بدأت المقاومة اللبنانية بتسطير بطولاتها في مواجهة العدوان الاسرائيلي خلال الاجتياح للبنان في العام ١٩٨٢.
كانوا بضعة رجال لم يتجاوز عددهم اثنا عشر مقاوماً صمدوا في خلدة، خط الامداد للمركز كان المدرج الشرقي لمطار بيروت.
اضطر العدو للالتفاف باتجاه التلال بعد ان عجز عن احتلال المركز، فوصل الى بعبدا ومجموعة خلدة صامدة في خلدة. اسست هذه الواقعة لقيام مقاومة كبرت لتصبح القوة الاولى في البلاد العربية التي كسرت اسطورة الجيش الذي لا يقهر.
اراد العدو الاسرائيلي الاستفادة من نتائج الاجتياح بفرض اتفاقية ١٧ أيار، الا ان روح المقاومة كانت قد كبرت فكان شباب حركة امل طليعة المواجهة لاسقاط الاتفاقية واكبها في المواجهة احزاب لبنانية وطنية فتحولت المواجهة للاسف من مواجهة مع النظام الى مواجهة مع الجيش اللبناني والسبب ان السلطة في لبنان يومها كانت سلطة احادية مطلقة بيد رئيس الجمهورية الذي يسمي الوزراء ويعين من بينهم رئيس حكومة وهو القائد الاعلى للجيش والقوات المسلحة لا يشاركه احد في الصلاحية.
بالرغم من انتشار قوى للجيش (اللواء السادس معززا بوحدات اخرى) في المنطقة الغربية الا ان قوى مدرعة من الجيش اللبناني قامت قبل ٦ شباط ١٩٨٤ بهجوم سريع باتجاه كورنيش المزرعة وصولا الى الروشة واكبتها وحدات اخرى من اتجاه عين المريسة وباتجاه الضاحية الجنوبية.
ذهبت يومهاالى بربور وكنت برتبة ملازم اول واقوم بوظيفة ضابط اتصال بين قيادة الجيش والقوى الحزبية على الساحة.
كانت السيارة تجد صعوبة في السير قرب منزل “الاستاذ” (وهي الصفة الملازمة لدولة الرئيس نبيه بري في تلك الايام) وذلك بسبب الظروف الفارغة للرشاشات ١٢،٧ ملم التي استعملها الجيش في هجومه. استقبلني “الاستاذ” بصفتي الشخصية وليست الوظيفية ليحملني رسالة الى رئيس الجمهورية بلهجة قاسية جداً، ادركت عندها اننا ذاهبون الى رد كبير.
تحركت مجموعات كثيرة على الارض بعمليات على مراكز الجيش ولكن بمعظمها كانت تهدف الى الحفاظ على العناصر ولكن تغيير قرار فيه.
حاول الجيش بعد تمهيد مدفعي القيام بانزال بحري على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت فلم ينجح.
جاء وفد من حركة امل الى ثكنة هنري شهاب وكلف قائد اللواء السادس العقيد لطفي جابر بنقل رسالة الى قائد الجيش بغية الحفاظ على وحدة الجيش ووقف العمليات العسكرية وتحييد المؤسسة عن الصراع السياسي.
اصريت على العقيد جابر ان ارافقه في المهمة حتى لا يتعرض له احد في الطريق واستمعت الى حديثه مع قائد الجيش عند وصولنا، بالرغم من تأييد القائد للفكرة الا انه بعد الاتصال برئيس الجمهورية ابلغه بأن العمليات ستستمر.
بعد قصف مراكز الجيش في الغربية من الجبل ( للأمانة كان مسؤولي حركة امل يبلغونا قبل القصف لاخذ الحيطة للحفاظ على العناصر) توجه قائد اللواء السادس الى بربور ولحق به عدد من ضباط اللواء الفاعلين وبعد اخذ ورد ووعد من الاستاذ نبيه بالحفاظ على كافة العناصر واستمرار اللواء في مهامه الاساسية دون تنفيذ الاوامر العملانية من القيادة فيما خص المواجهة السياسية، كتب قائد اللواء السادس ان انتفاضة ٦ شباط، احتفظت انا بنسخة عنه واخذه الملازم اول مصطفى حمدان واذاعه من اذاعة المرابطون قرب جامع عبد الناصر.
العبرة:
لبنان لا يحكم بالاحادية ولا بالاستقواء بالخارج.
الجيش للدفاع عن الوطن وللجميع وليس لتنفيذ سياسات داخلية.
روح المقاومة متجذرة في نفوس المقاومين منذ مواجهة خلدة، وبالمناسبة اوجه لهذه الحفنة من الرجال كل تحية وتقدير وعلى رأسهم من كان يقودهم من مركز قيادة حركة امل في برج البراجنة يومها المقاوم الاول الاستاذ نبيه بري.