حسن الدّر – ليبانون تايمز
كثرت في الآونة الأخيرة نغمة “الشّيعيّة السّياسيّة”، تردّدت هذه العبارة على ألسنة بعض المحلّلين المحترمين، وكتبت في بعض المقالات الصّحفيّة لكتّاب مرموقين!
ولأنّنا لا نعلم بالنّوايا، ونرفض لغة التّشكيك والتّخوين، نأخذ هذه الآراء على المحمل الحسن، ونضعها في خانة القراءة السّياسيّة لمجريّات الأمور في المنطقة، ولا نحمّلها محمل التّحريض على “الشّيعة” في لبنان، أو محمل تخويف اللّبنانيين من تحكّم “الشّيعة” بمصير بلدهم.
وكما يحقّ لكلّ كاتب ومحلّل وناقد بأن يبدي رأيه باحترام وتقدير، يحقّ لنا أيضًا أن نضع بين أيديهم، وأيدي اللّبنانيين جملة أسئلة ووقائع علّها تفيدهم في قراءة الواقع بشكل أفضل.
الملفت في المنظّرين لفكرة “الشّيعيّة السّياسيّة” انطلاقهم من كون الشّيعة كانوا طائفة محرومة، وغير معتبرة في الحياة السّياسيّة، ثمّ قويت شوكتهم، ويريدون تكرار تجربة الدّروز والموارنة والسّنّة في فرض قوّتهم ونفوذهم على باقي الطّوائف، متسلّحين بقوّة سلاحهم وامتدادهم العقائدي مع إيران، كأنّهم يأخذون بثأرهم من التّهميش الّذي لحقهم في مرحلة سابقة!
ولكن، هل التفت الكتّاب والمحلّلون الكرام إلى مطالب الشّيعة أيّام حرمانهم وأيّام قوّتهم؟ هل يطالب الثّنائي الشّيعي اليوم بأكثر ممّا طالب به الامام موسى الصّدر قبل أكثر من خمسين عامًا؟ هل طرح الرّئيس نبيه برّي أو السّيّد حسن نصرالله صلاحيات استثنائية للرّئاسة الثّانية؟ أو هدّدا بفرط اتفاق الطّائف وإعادة تشكيل نظام جديد يتناسب مع قوّتهم العسكريّة والعدديّة وامتدادهم الاقليمي؟
هل وظّفت المقاومة انتصاراتها على أعتى قوّة في المنطقة داخليًّا، وفرضت بالقوّة، واقعًا سياسيًّا وإداريًّا مغايرًا لما هو قائم؟ أم أنّ السّيّد نصرالله أهدى النّصر لكلّ اللّبنانيين، وقال في مدينة بنت جبيل بعد التّحرير مباشرة: نرضى بما ترضى به الدّولة اللّبنانيّة!
ألم تثبّت المقاومة نظريّة “الرّئيس القوي” في بيئته، لطمأنة الشّركاء في الوطن؟
ألا يسعى الرّئيس نبيه برّي لحفظ التّوازنات الدّاخليّة في كلّ الاستحقاقات؟ حتّى أخذ عليه أنّه يحمي النّظام الفاسد!
ألم يصدح الرّئيس برّي على منبر الامام موسى الصّدر في مدينة النّبطيّة بأنّه “سنّيّ الهوى” في أوج الصّراع الطّاحن في سوريا والعراق، وفي ذروة امتداد داعش والنّصرة وغيرهما من الفصائل الارهابيّة، لقطع الطّريق على الفتنة السّنيّة الشّيعيّة في لبنان؟ ثمّ استضاف في مقرّ إقامته حوارًا ثنائيًّا بين حزب الله وتيّار المستقبل للحفاظ على السّلم الأهلي في لبنان!
كثيرة هي المحطّات الّتي تصرّف بها الشّيعة بمنطق الوطنيّة، وليس آخرها تسهيل ترسيم الحدود البحريّة مع العدوّ، والّتي استغلّها بعض المزايدين ليقولوا بأنّ الشّيعة يمهّدون للاعتراف بالكيان الغاصب، وأنّهم، أي الشّيعة، يرون تحوّلًا في موازين القوى ويريدون اللّحاق بالرّكب قبل فوات الأوان!
المثير للدّهشة والرّيبة، أنّنا قبل أشهر قليلة كنّا نسمع نغمة مغايرة، نغمة تعزف على وتر الشّماتة، وتعتبر بأنّ الحصار الاقتصاديّ على لبنان سيضعف المقاومة من داخل بيئتها، لتنقلب على قيادتها، وبأنّ التّطبيع آتٍ، ولا يمكن للمقاومة تجاهل المزاج العام الدّاخلي والعربي الذّاهب باتّجاه التّطبيع ثمّ السّلام مع العدوّ الاسرائيلي!
يبدو أن المشكلة ليست في التّحليل السّياسيّ والميدانيّ، بل إنّ المشكلة تكمن في بعض العقليّات الّتي تعيش على فتات واقع أكل عليه الزّمن، وليست مؤهّلة للقبول بمنطق المواطنة!
المشكلة في عنصريّة قديمة تتمسّك بتصنيف النّاس على اساس انتمائهم الطّائفيّ والمناطقيّ.
جلّ ما طالب به الثّنائي الشّيعي مؤخّرًا، هو الاحتفاظ بوزارة الماليّة، وهي حقّ ضمنه اتّفاق الطّائف، ليكونوا شركاء في التّوقيع على القرارات الكبرى! لعلّها جريمة أن يكونوا شركاء في توقيع ثالث!
ما زال أصحاب العقول الرّجعيّة يصمّون آذانهم عن نداء الامام موسى الصّدر: “اعدلوا قبل أن تبحثوا عن وطنكم في مقابر التّاريخ”، ويعرضون اليوم عن دعوة الرّئيس نبيه برّي إلى الذّهاب باتّجاه دولة مدنيّة تحفظ حقوق المواطنين على أساس انسانيّتهم!
يبدو أنّ الاستسلام لإملاءات أميركا وحلفائها هو الّذي يضمن بقاء لبنان وسيادته واستقلاله، أمّا تحدّي المشروع الأميركي ورفض الاذعان لشروطه يعني التّحكّم والسّيطرة والاستئثار بالدّولة ومؤسّساتها!
إذا كانت “الشّيعيّة السّياسيّة” تقضي بالمساواة بين المواطنين على أساس لبنانيّتهم، فنحن أوّل الدّاعين إليها والمدافعين عنها والمناضلين لأجلها، ونكون حينها قد حقّقنا حلم الامام موسى الصّدر بوطن التّعايش والمحبّة والتّسامح..