نورا اسماعيل – ليبانون تايمز
بين الماضي والحاضر، بين كل الأزمات التي يمر بها لبنان، مازال التعليم هو النفس الأخير الذي يتنشقه اللبناني، ولو بفرحة محدودة، رغم وجود فيروس كورونا والأرقام القياسية التي يسجلها، فتحت المدارس أبوابها، ورحبت بطلابها ضمن برنامج مدمج بين حضور شخصي الى المدرسة وحضور شخصي أمام الأجهزة من المنزل، بخطة وقائية تجبر الطلاب بوضع الكمامات وأخذ المعقمات وتباعد اجتماعي قدر المستطاع، ليطلب المعلمين كما هو الحال دوما قلما وبعض الدفاتر والاوراق ناهيك عن الكتب المدرسية، ليتفاجأ الطلاب والأهالي بأسعار القرطاسية التي تحتاج قرضا من البنك على سعر الصرف اليومي للدولار في السوق اللبناني.
مأساة اللبناني تجدد كل يوم أكثر من اليوم الآخر، ما من يوم ينام فيه الا وهو خائف من الغد، اللبناني اليوم أمام تحد جديد يخص أطفاله، القرطاسية المدرسية أمر مفروض على كل الأهالي، فممنوع للطالب أن يدخل الصف إلا وقلمه معه والدفتر وإلا يعتبر مخالف لقانون المدرسة وأنظمتها وتطبق عليه شروط المخالف، من هنا يقبع الوالد أمام محكمة المدرسة بأن يؤمن ما يحتاجه ابنه أو يصطحبه معه الى المنزل.
“أبو يوسف” ابن ال 52 عاما، “أبو البنات الشاطرين” كما يعرفه أهل القرية، ذلك الرجل الذي أفنى سنين عمره بالعمل كي يؤمن أقساط المدرسة ولقمة العيش لعائلته المؤلفة من زوجته، 5 فتيات وولدين، وتترواح أعمارهم بين الـ23 والـ5 سنوات، ولكي يراهم كما تمنى، بمراتب تليق بما جنته يديه وأيديهم، فمنهم اليوم من أصبح في الدراسات العليا، وبين الجامعة الثانوية والمدارس، وما من أحد منهم الا وأبدع في صفه.
في حديث لـ “ليبانون تايمز” استهل أبو يوسف بالقول: “أنا بناتي كلن شاطري، من الكبيرة للصغيرة”، فهي حقيقة لا يختلف معها أحد من سكان القرية، فالجميع يدري ذلك، لكنه اليوم وفي ظل كل ما يشهده البلد من أزمات اقتصادية، اجتماعية وثقافية، يجلس أبو يوسف حائرا بين مستلزمات فتيات كثيرة، طعام واحتياجات ربة منزل وبين عمله الذي انتهى منذ بداية فيروس كورونا، “الله كريم” كلمة لم تفارق شفتيه طيلة الوقت، ويقينا واضحا بان غدا أفضل.
عند سؤالنا اياه عن الوضع المدرسي الآن كانت المشكلة واضحة، فالقرطاسية بحسب قوله: “بتهد جبال”، فالدفتر الواحد الذي يحتوي على مئة ورقة، والذي كان سعره 1500 ليرة لبنانية، وان تخطى هذا المبلغ فقد يصب الى الـ 2000 ليرة لبنانية لا أكثر، أصبح اليوم بـ 15 000 ليرة لبنانية، ويمكن بل على يقين بأن يصل الى الـ 25000 ليرة لبنانية، كما هو حال القلم والدفاتر الأخرى، فالممحاة التي كانت بـ 250 ليرة لبنانية أصبحت اليوم بـ 7000 ليرة لبنانية… وغيرها الكثير الكثير. حال مأساوي بامتياز وخصوصا لمن يملك عائلة كبيرة، لفت أبو يوسف الى كثرة الأولاد أنه من يملك ولد واحد ستكون المصيبة أقل، لكن من يملك مثله لا يستطيع أن يؤمن كل هذه الاحتياجات.
أكمل أبو يوسف موضحا أنه يعمل قصارى جهده لتأمين القرطاسية لأولاده وخصوصا الصغار منهم، ذلك بعيدا عن تكاليف الكمامة والمعقمات، والخوف الذي سيكون في قلوبهم عند كل اشراقة شمس خوفا من كورونا في المدارس، اضافة الى القلق من أن يحرم أولاده وأولاد غيره من المدارس هذه السنة بسبب غياب قدرة الأهل في تأمين المستلزمات المدرسية.
حال الأباء هذه السنة متشابه، بغض النظر اذا “كانوا ولادك شاطرين أو لا” انت في مأزق واحد، دوامة لا ترأف بصاحب القدرات ولا بذلك الذي لا يأبه لكل ما يحصل، ليصبح مصير التعليم في وطننا، ليس بخيار أو حب بالتعليم، انما خوف خسارة السنة الدراسية، وخسارة العمر كما نخسر الأيام والأحلام يوميا…