الدكتور محمد جمعة – ليبانون تايمز
إن الجميع في هذا البلد، لا يخفي سراً أو جهاراً أن السلطات المتعاقبة أوصلت هذه الدولة إلى مصاف الفشل في وظائفها، نتيجة الفساد والتقصير والضعف والوهن، خلفتها تسويات محاصصة طائفية وفئوية ومذهبية ومناطقية، فأصبحنا دولة المحاصصة… .
إنهم يجاهرون سراً وعلانية أيضاً بأن لبنان بلد توليد الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية. وبأن التاريخ يُعيد نفسه دائماً، وزعمائه المنتظرون الناظرون لا يُغادرون الماضي، دون أن يعوا بأن هناك مستقبل داهم بسلبياته وإيجابياته، بكوارثه والنهوض به لا يكون إلا بتسخير كل جهد أو طاقة لبنائه.
والسؤال اليوم ماذا فعل القيمون على العمل السياسي لمعالجة الأسباب الذي أوصلت الوطن إلى هذا الواقع المأزوم والنتائج التي نتخبط فيها؟
لا بد من الاعتراف بأن هناك أزمة ثقة، وأزمة سلطة وأزمة حكم، كأنها لعنة وطن، من يحكم من؟ إنه النظام الاقطاعي الذي لم يفارق نفوس معظم الساسة في هذا البلد.
وهنا يتبين أن اللبناني لا يتعلم من دروس الماضي، فبعد إعلان الدولة بيروت مدينة منكوبة نتيجة الكارثة التي أصابت المرفأ، وما شهده لبنان من تحرك دولي لمساعدة لبنان، يتبين للمتابع الدولي والمحلي أن معظم الساسة في هذا البلد مازال يُفكر بعقلية اقطاعية فئوية عقلية المحاصصة. لا بل أن هذه الأطراف السياسية عادت لتنبش أحقاد الماضي وتعمل إلى نفي مسؤوليتها مما ألم بالوطن النازف.
لهؤلاء نقول أنتم مسؤولون عن الأزمات التي ألمت بالبلد، فنحن لا نبحث عن نسبة مشاركة كل فريق في عملية أنهيار الدولة، ففي هذا الإطار يتساوى الفاعل والشريك. ونقول تعبنا حتى لا نقول يئسنا، ليبقى باب الأمل مفتوحاً على معالجة أسباب الأزمات التي ألمت بالوطن. فلبنان اليوم بحاجة لكل أبنائه فكما لا يُمكن للطير أن يطير إلا بجناحين، كذلك الوطن هو بحاجة إلى طاقات كل أبنائه للنهوض مجدداً، ولا يكون ذلك إلا إذا تخلى الجميع عن أحقاده وأنانيته وأن تذوب هذه الأنا في نحن الجماعة. إن أحوج ما نكون إليه اليوم هو أصوات العقلاء لا الموتورين فالبلد يحتضر، ولا بقاء لأي مكون سياسي إذا سقط الوطن.
وبرأينا وحده وعلى خطى إمام هذا الوطن السيد موسى الصدر نجد دولة الرئيس نبيه بري يحاول بناء جسور التلاقي بين مختلف الفرقاء الذين امتهنوا بناء الجدران بمواجهة بعضهم البعض، لهؤلاء نقول سارعوا إلى هدم هذه الجدران قبل الوقوع في المحظور.
وفي هذا الإطار تشكل دعوة رئيس البرلمان بإقامة دولة مدنية قولاً وفعلاً، نقطة الإنطلاق للتأسيس عليها في المستقبل القريب لبناء دولة المواطن ولا يكون ذلك إلا بالغاء نظام الظل الاقطاعي الطائفي. وهذا الهدف يبقى بعيد المنال طالما لم يُصار إلى وضع قانون جديد للأحزاب على أساس المواطنة وذلك لإعادة تكوين السلطة على أساس وطني لا طائفي.
أما في المرحلة الآنية فإن سياسات التسويف والمراوغة والمماطلة لم تعد تجدي نفعاً فالبلد يسقط من أيدينا، ولتجنب السقوط الكامل يجب المسارعة إلى تطبيق الدستور والقوانين، فالمشكلة ليست في النصوص بل بعدم تطبيقها وتحميلها أكثر مما تحتمل. وفي هذا الظرف العصيب لا بد من العمل على تشكيل حكومة يشارك فيه الجميع من أحزاب ومجتمع مدني حتى تتضافر كل الطاقات لإنقاذ الوطن المأزوم.