ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين، في برج البراجنة، نبه فيها إلى “أن السياسة في لبنان ليست وطنية على الإطلاق، إنما هي سياسة امتيازات وصراعات طائفية، ما يعني أن التحسس بالمسؤولية الوطنية معطل، في ظل نظام طائفي، وديموقراطية توافقية ألغت مفهوم الموالاة والمعارضة، الذي يشكل الدعامة الأساسية التي عليها تقوم الدولة، ولهذا نشهد ما نشهده من انقسامات لا تبشر بالخير، ولا توحي أبدا بأن الدولة بما تعنيه من دولة ومؤسسات ومواطنة وكفاءة وعدالة واقتصاد وإنماء سيتحقق، طالما النزعة طائفية، والغاية استئثار بالسلطة ومقدرات الدولة”.
وأكد قبلان “أننا نتطلع إلى يقظة ضمير من هنا أو هناك، لعلها تحدث نقلة، ولو في حدها الأدنى باتجاه المنطق الذي يذكر الجميع بأن الدولة لا تقوم بالهيمنة والتمييز الطائفي، بل بالمواطنة والمشاركة الحقيقية، وليس على قاعدة “مرقلي تمرقلك”، هذا المبدأ يجب شطبه من الذهنيات السياسية المريضة، نحن لسنا في شركة، نحن في وطن، والوطن بحاجة إلى دولة، والدولة يجب ألا تكون بحسب الظروف الإقليمية والدولية، بل دولة لها ثوابتها وأسسها وقواعدها الوطنية، وغير خاضعة للمساومات والمزايدات ولعبة المصالح، دولة لها سياستها الخارجية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وفق ما تقتضيه الظروف العادية والاستثنائية، وتفرضه مصلحة البلاد العليا. فإما أن نبقى في دولة “كل من إيدو إلو” “وكل فريق فاتح على حسابو”، رئيس الجمهورية برأي، ورئيس الحكومة برأي، ورئيس المجلس النيابي برأي، يعني نحن في بلد مقسم، في بلد لن تقوم له قائمة ولن تكون فيه دولة، طالما صيغة الكانتونات الطائفية والمذهبية هي المتحكمة”.
ودعا قبلان “الجميع إذا كانوا جادين في بناء دولة ونياتهم صادقة، أن يخرجوا من هذه الخزعبلات السياسية، ومن معمعة الموازنة ولعبة الأرقام الوهمية، وأن يوقفوا الهرطقة التي لم تعد أهدافها خافية، وأن يعود الجميع إلى المسار الوطني الصحيح، لأنه السبيل الوحيد الذي يعيد الحياة لهذا البلد وفق الأطر الدستورية والقانونية التي تؤسس لبناء دولة تكافئ وتحاسب، وترعى وتخدم وتكفل الأمن المجتمعي الوطني، دولة عصرية حديثة تواكب التطور والتكنولوجيا، لا دولة الاستقراض والاستجداء، والتقوقع والانعزال في كهوف التعصب والطائفية البغيضة، فلنرقى بفكرنا وتطلعاتنا السياسية إلى المستوى الذي يؤهلنا لأن نكون أبناء وطن واحد، مضمونا وشكلا، ولاء وانتماء.
ودعا الحكومة، ومعها كل السلطات “إلى العمل الجدي والمحسوب، بعيدا عن الغوغائيات والشعارات، لأن البلد وصل إلى مرحلة التسيب والانحطاط السياسي والمالي والأخلاقي والتربوي، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن القرار الذي اتخذه معالي وزير التربية هو قرار ظالم وغير مقبول، وفيه إجحاف كبير بحق طلاب لا ناقة لهم ولا جمل في كل ما جرى ولا يجوز أن يكونوا ضحايا أخطاء لم يرتكبوها، بل هو تقصير السلطة في المراقبة والمحاسبة سواء كان على الإدارات أو المؤسسات التربوية والتعليمية”.
ونبه قبلان مما يجري في المنطقة “فهو يحمل الكثير من التطورات والمفاجآت، فهناك من يدفع ويحرض على حرب مع إيران، متجاهلا أن إيران دولة قوية ولن تخضع، وأمريكا ليست بوارد الدخول في حرب أوسطية جديدة مقابل رشاوى مالية من هنا أو هناك. لذا ندعو دول العالم الإسلامي وبخاصة دول الخليج، التعقل والرشد، وعدم إقحام المنطقة في حرب مدمرة لن تكون لصالح أحد. لذلك علينا التروي والهدوء والحكمة، وعدم التهور وتجنب الحسابات الخاطئة، لأن ما تعرضت له ناقلتا النفط من تخريب وتفجير أمر يدعو إلى الريبة، ويؤشر إلى أن طابورا خامسا يعمل على إضرام النار، ويدفع باتجاه إشعال المنطقة بفتنة لا تبقى ولا تذر”.