كتب: زياد الزين
استقبلت قرى الجنوب أمس حركة نزوح كثيفة من بيروت وعدة مناطق، ما يشبه مشهد العودة المظفرة ، إبان انتهاء حرب تموز والانتصار الكبير الذي رافقه، التزاما أخلاقيا ووجدانيا بدعوة الرئيس نبيه بري بتخطي كل عقبة ، واي كرة نار ، لضرورة العودة العاجلة ، باعتبار ان التأخير او العودة الآجلة، ربما تتحول إلى رحلة سفر طويلة ، ويمكن ان يبنى عليها العديد من المتغيرات الديمغرافية في التخطيط من جانب العدو.ي
أمس كان احتفالية ، لأن الهدنة في غزة ليست وليدة صدفة ، وأن توصيف تجييرها ، لوساطات عربية واقليمية ، لم يكن ليتم لولا أن الفعل أحدث أمرا واقعا لا يمكن تجاوزه ، في أن المقاومة هي التي رسمت خارطة طريق ، وألزمت الوساطات بتبني معاييرها ، ليستدل ان حرب الأربعين يوما ، ودائما في العقل الاسرائيلي عبارة عن لغة دم وقوة تدمير ، وارادة انتقام حتى من الأطفال الخدج والمرضى والمستشفيات والجهاز الإنساني عموما، كما واعادة عقارب الساعة الى الوراء.
لكن الميدان كان له لغة مغايرة، مصالحة مع ضرورة الانتصار ، وافشال الأهداف الالغائية ، وتغيير قراءة شعوب العالم للمتغيرات وتبعاتها ، وطبعا موقف تفاوضي أكثر صلابة ، فقد ولى زمن اسقاطات التسويات ، وحان الوقت لفرض الحلول الاستراتيجية في اي مقاربة حل.
في لبنان ، أعلنت المقاومة انها توأم ، حتى لو اختلفت أشكال المواجهة ، ان ارتقاء اكثر من ٨٠ شهيد ، يعني في النطق الأول ، تبني كامل لتنسيق المحاور ، ولا يحتاج الى اجتهادات ، لا تبتغي الا تمزيق أوراق الثقة ، التي أصبحت معمدة بالدم الطاهر ، ولا يشوبها حكما أي تأويل.
ان ما ننتظره في الأيام القادمة، أما تراجع العدوان وسقوط المنظومة السياسية في إسرائيل، وأما الامعان في العدوان والذي فقد التسويق ، لأن القبول بمنطق ” الهدن المتتالية ” هو عمليا اقرار بأن إلغاء حركات المقاومة في غزة ، قد أصبح كلمة تداول في قاموس القيادة الإسرائيلية المربكة لا أكثر.
ان التحليل العاطفي المحق كثيرا ما يتبنى الأثر الأليم لاحصائية الخسائر البشرية التي لم يشهد العالم في أي حرب على مسار التاريخ وحشية مماثلة.
لكننا في القراءة الاستراتيجية ، نتهيأ لخريطة سياسية فيها العديد من المتغيرات ، أولها الاستدراك الأميركي لهذا التهور المجنون ، وحدة قراءة قاموس القضية ، ووحدة التعبير في مقاربة ملف غزة لدى كل شعوب العالم العربي والإسلامي ، والأهم سقوط وهم الفتنة التي تم العمل عليها لعشرات السنوات.
وفي الوجدان العميق ، تقتضي العدالة في الأرض المرتبطة بعدالة السماء ، ان تكون وجهة فلسطين ، والجنوب ، منسوبة حكما ، لفكر الامام موسى الصدر صانع هذه الثقافة ، إذ لا يكفي في فكره عدم الاعتراف بالكيان ، بل اعتباره الشر المطلق والعدو المستدام.
أيها اللبنانيون المنقسمون على كل الملفات ، لا تنتظروا املاءات الخارج ، والمراهنة على انقلابات تحصن مواقعكم ، اخرجوا من باطن الشروط المعقدة اللئيمة ، الى رحاب القناعة بأن لبنان قوي بمعادلة ماسية، تسمح الفرصة الآن لإنجاز كل الاستحقاقات ، وقيامة البلد كما قيامة القدس والأقصى.