الجمهورية ـ جورج شاهين
قبل أيام على «مؤتمر المنامة» تتعالى بعض الأصوات المتشنجة رفضاً للمؤتمر وخلفياته والأهداف المتوقعة. وبعد الإجماع اللبناني على قراءته على أنّه «الورقة الإقتصادية» التي سبقت «الورقة السياسية» لـ «صفقة القرن» المرفوضة، لم يعد هناك من حاجة الى المزايدات للتعبير عن الموقف الجامع. ولكن هل سيحتاج لبنان لـ «فحص دم» جديد إذا استمرت هذه الموجة؟ وأمام من؟
في غياب أي مبادرة اميركية رسمية تتصل بما سُمّي بـ «صفقة القرن» والإستعدادات الجارية لـ «مؤتمر المنامة»، تتبادل الأوساط الرسمية المعلومات المحيطة بهاتين المحطتين، من خلال ما يُنشر في وسائل الإعلام والتقارير الدولية والمحلية، بما فيها تلك التي تنقل عن ألسنة المسؤولين الأميركيين، ولاسيما منهم المستشار الأول للرئيس الأميركي صهره جاريد كوشنر.
ليس لدى المسؤولين اللبنانيين أي تقرير ديبلوماسي أو ملف اسمه «صفقة القرن»، وليس لديهم ما يبرّر هذه التسمية، فيما يعتقد أكثرهم انّها توصيف أُعطي في لحظة من اللحظات، لم يتبنّاه أي مسؤول أميركي أو غربي حتى هذه اللحظة. كذلك، فإنّ الموفدين الأميركيين الذين زاروا لبنان في الأشهر القليلة الماضية، لم يُدلِ أيٌ منهم بأي كلام أو تصريح واضح وصريح عن هذه الصفقة.
وحتى الأمس القريب، وعلى الرغم مما يُقال من إنّ هذه الدولة او تلك ستشارك في «مؤتمر المنامة»، لم يؤكّد اي مسؤول لبناني سياسياً كان أم دبلوماسياً، أنّه تلقّى دعوة الى مثل هذا المؤتمر أو اي وثيقة او مشروع اسمه «صفقة القرن». ولذلك، فإنّ معظم المواقف التي أُطلقت حتى الآن لا تعدو كونها رداً على تقرير اعلامي أو تعليقاً على تصريحات كوشنر، كما فعل رئيس مجلس النواب نبيه بري منذ يومين.
على هذه الخلفيات، لا يمكن النظر الى المواقف اللبنانية الرسمية التي أُطلقت من وقت لآخر إلاّ من باب أنّها ملك لأصحابها. فموقف بري الذي أطلقه الأحد الماضي، توجّه فيه الى السيد كوشنر، وردّ عليه مباشرة، رافضاً مضمون تصريحه حول المشاريع الإقتصادية والإستثمارية التي تُعد للبنان والمنطقة. وكان بري واضحاً وصريحاً، عندما نادى في بداية بيانه، المُعد بكل اتقان، بموقف لبناني رسمي جامع وموحّد ـ ما زال ينتظره – حيال ما كشفه كوشنر عرّاب هذه الصفقة.
وحيال ما أشاعه موقف بري من تشكيك في الموقف اللبناني الرسمي، توقفت مراجع رسمية امام عبارة وردت في تصريحه، عندما «عبّر عن خوفه» من ان «يفسّر البعض الصمت الرسمي اللبناني قبوﻻً بالعرض المسموم»، فلم ترَ انّها كانت ضرورية أو لازمة. فالمواقف الرسمية اللبنانية لم تقارب الملف بغير موقف بري، ولو جاء مغايراً في توقيته وشكله ومضمونه.
وفي غياب أي توجّه رسمي للردّ على بري، أوضحت مصادر واسعة الإطلاع، انّ رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري عبّرا اكثر من مرة عن رفضهما مضمون ما تسرّب حتى اليوم مما يمكن تسميته بعناصر او مقوّمات «صفقة القرن». ففي خطاباتهما الموثقة امام القمم العربية العادية والإستثنائية التي شاركا فيها الى الآن، وفي كثيرمن لقاءاتهما الديبلوماسية والرسمية، عبّرا عن رفضهما «الغايات المقدّرة» من هذه الصفقة.
الى ذلك، فقد اصرّ رئيس الجمهورية اكثر من مرة من موقعه وباسمه وباسم لبنان، عند مخاطبته العالمين العربي والغربي والوفود الأميركية التي زارت بيروت، عن تمسّك لبنان بالمبادرة العربية التي صدرت عن قمّة بيروت العام 2002. ولم ينفك عن المطالبة بتنفيذ القرار 194 الصادر عن الجمعية العمومية للامم المتحدة، الذي أعطى الفلسطينيين حق العودة الى أرضهم. ولم يُسجّل اي خرق لبناني بعد لمقدمة الدستور المتضمنة رفض التوطين الفلسطيني بكل أشكاله.
وبالإضافة الى هذه العناصر، فقد بات واضحاً أنّ رئيس الجمهورية سجّل مثل هذا الموقف قبل أيام، عندما تسلّم رسالة خطيّة من نظيره الفلسطيني محمود عباس، التي نقلها اليه عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» والمشرف العام على الساحة اللبنانية الوزير عزّام الاحمد، وتحديداً في 14 حزيران الجاري.
فقد تناولت الرسالة الموقف الفلسطيني من التطورات الأخيرة المتصلة بالقضية الفلسطينية»، والتي تهدّد مستقبل النظام الدولي القائم على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية». وردّ عون على الرسالة بتأكيد المؤكّد فيها، بما فيها تلك التي تتصل بما يُسمّى «صفقة القرن» على رغم من عدم معرفة أي مسؤول لبناني أو عربي بمضمونها، كمبادرة كاملة المواصفات السياسية والأمنية والديبلوماسية.
والى مواقف رئيس الجمهورية، لا بدّ من تسجيل الموقف عينه لرئيس الحكومة سعد الحريري، الذي عاد من قمم مكة الأخيرة، وترأس وفد لبنان الى القمتين العربية والإسلامية، وجاءت كلمته فيهما منسجمة والموقف اللبناني الرسمي بالإجماع المحقق حيال العناوين نفسها. ولذلك إعتُبِر لبنان شريكاً في المواقف العربية والاسلامية الجامعة عند موافقته على مضمون البيان الختامي لهاتين القمتين اللتين كشفت بياناتهما ومواقفهما عن موقف عربي واسلامي جامع وراقٍ ومتقدّم على المواقف الأخرى، ولاسيما منها تلك التي تجاهر بها أنظمة «محور الممانعة» التي تشكّك بالمواقف العربية والخليجية من القضية الفلسطينية. فقد رفض المشاركون فيهما كل ما اتُخذ من قرارات اميركية تمسّ القدس والجولان السوري المحتل وقيام الدولة «القوميّة اليهوديّة». كذلك سجل البيانان رفضاً «بالمفرّق وبالجملة» لمعظم المواقف والمبادرات الأميركية، وتلك التي تسرّبت الى اليوم عمّا يمكن ان يُطرح في «مؤتمر المنامة» كما في الصفقة المحكي عنها.
وبعيداً من النية لإقامة سجال مع اي طرف، سواء كان داخلياً ام خارجياً، فانّه سيبقى مهماً للبنان ان يحافظ على علاقاته بالدول العربية والخليجية تحديداً ووقف الإساءة اليها فوراً، فهي مواقف تسيء اكثر الى مصالح لبنان واللبنانيين ولا ترضي إلاّ اطرافاً دولية وقد تكون اسرائيل واحدة منها.
وعليه، لا يرى معظم المسؤولين اللبنانيين انّهم مضطرون الى تقديم «فحص دم جديد» في شأن القضية الفلسطينية امام أي كان، داخلياً كان ام اقليمياً ام دولياً؟!