مندرجات “صفقة القرن”، كما جرى الاعلان عنها، تنطوي على رسم خريطة جديدة للمنطقة، تشرّع الابواب فيها على عواصف سياسية بدأت غيومها السوداء تتكوّن بالفعل في سماء المنطقة، يمكن ان تهبّ في اي لحظة، ولبنان واحد من الدول المهدّدة بخطر مصيري جرّائها، يتمثل بزرع عبوة توطين الفلسطينيين في جسده.
هذا الخطر يقترب، في الوقت الذي ينوء فيه لبنان من جهة بثقل عبوة النازحين السوريين، التي توازيها بخطورتها وتهديدها للنسيج اللبناني. ومن جهة ثانية، بثقل أزمة اقتصادية خانقة تبدو فيها ابواب الانفراج موصدة بالكامل، لا تنفع معها المسكنات الشكلية التي يقدّمها اصحاب الشأن في الدولة.
والأخطر في هذا المجال، انّه على الرغم من الانصراف الداخلي نحو إقرار موازنة العام 2019، فإنّ التطمينات التي تتوالى من قِبل المراجع الحكومية والوزارية، حول أنّ الازمة باتت تحت السيطرة جرّاء الوصول الى نسبة عجز مقبولة في الموازنة. الّا انّ هذه التطمينات لا تنفي حقيقة الانحدار الذي يسلكه الوضع الاقتصادي بوتيرة فائقة السرعة، تتزايد فيها حدّة المخاوف من تجاوزه الخطوط الحمر وبلوغه نقطة اللاعودة، وهو ما يجمع على التحذير منه الخبراء الاقتصاديون، كما على العجز الحكومي الواضح في ايجاد الحلول، ويجمعون ايضاً على اعلان حالة طوارئ اقتصادية مقرونة بخريطة طريق واضحة للانقاذ، وبعقلية منفتحة على الحلول الجدّية وليس على الحلول الوهمية، شرطها الأول والاساس، النأي بالنفس عن التنافس السياسي والشعبوي والمحاصصات التي يصرّ البعض في السلطة الحاكمة على فرضها على بساط التعيينات المعطلة لهذا السبب، بالتوازي مع رعاية بعض النافذين لمحميات إفقار الخزينة، المستشرية في كل مفاصل الدولة. ما احبط سلفاً الحرب على الفساد، التي سبق ان أُعلنت بطريقة حماسية، ولكن مع وقف التنفيذ.
واذا كانت موازنة العام 2019، يجري تسويقها على انّها كابح للانحدار الاقتصادي، وانّها قاعدة سيُبنى عليها في موازنة العام 2020 للوصول الى نسبة عجز اقل، فأنّ التوقعات حولها تبقى موضع شك، في غياب الرؤية الاقتصادية الضرورية التي ينبغي ان تقترن بها، وخصوصاً لناحية اجراء الاصلاحات البنيوية التي تُعتبر في رأي الخبراء في علم الاقتصاد، الاساس الصلب الذي يمكن ان يُبنى عليه، بوصفه واحداً من العلاجات المطلوبة والملحّة للأزمة الاقتصادية في لبنان، ومن دون يبقى كل كلام عن علاجات وتطمينات نظرية مجرد كلام وارقام في شيكات بلا ارصدة.
واللافت للانتباه في هذا السياق، انّ لبنان لا يزال يتلقى إشارات إيجابية من الخارج، تحفّزه على المضي الجدّي في العلاجات لأزمته واجراء الاصلاحات المطلوبة. الّا انّ هذا الخارج، بحسب ما يؤكّد اقتصاديون لـ”الجمهورية”، ما زال ينظر بعين الريبة الى أداء الحكومة اللبنانية، وتتلبسه الخشية من عدم جدّية الجانب اللبناني في التجاوب مع النصائح التي تُسدى له لمعالجة ازمته، وهذه الخشية راكمها عدم مبادرة الحكومة اللبنانية الى الاستجابة العملية لمتطلبات مؤتمر “سيدر” والقيام بالاصلاحات المطلوبة. فصحيح انّ تخفيض العجز في الموازنة الى ما دون 9% هو امر جيد، الّا انّ أهمية ذلك، تذوب امام تجاهل الامور الأخرى المكمّلة لهذا الامر.