بتول فواز – ليبانون تايمز
تجتاح العالم اليوم سلسلة تهديدات مُتعلّقة بفقدان الأمن الغذائي، بسبب ارتدادات أزمة كورونا على معامل تصنيع وإنتاج المواد الغذائية واضطرارها للإقفال، ما إدى إلى الإنحسار في سلاسل توريد هذه البضائع وحدّ البلدان المصنّعة للكميات المُصدرة مقابل زيادة طلب عالمية.
المُشكلة في لبنان لا تكمن بفقدان الأمن الغذائي، بل في السيادة الغذائية المرجو تحقيقها منذ سنوات عدة، والتي تتطلب نظاماً إقتصادياً مُغايراً عن ذلك السائد اليوم.
الإقتصاد المُنتج هو المطلوب، مرفقاً بالعديد من التغيرات في سياسات الدولة، مما يؤدي إلى التخلص من نزعة النموذج الريعي الذي تجسدت تداعياته في المشهد الإقتصادي الحالي.
في هذا السياق، شدد المدير العام للمجلس الإقتصادي الإجتماعي الدكتور محمد سيف الدين، في حديث خاص لموقع ليبانون تايمز، على أن تعثُر لبنان عن سداد ديونه، ودخوله في نفق الأزمة الإقتصادية والمالية والتي تحولّت فيما بعد إلى أزمةٍ نقدية، وضع الدولة اللبنانية أمام ضرورة تحويل وجهة نمط النموذج الإقتصادي من ريعي (يتطلب دائماً الحصول على تدفقات مالية خارجية) إلى إقتصاد إنتاجي يُساهم في دعم العملة الوطنية، مضيفاً: من المفترض أن تعطي أزمة فيروس كورونا وشُح الدولار، دافعاً أساسياً للطبقة السياسية في تغيير النهج الإقتصادي المُتبع، وإعتماد المُنتِج بدلاً من الريعي، مع العلم أن الأوّل لا يتحقق بالسرعة المُنتظرة، فهو يتطلب بُنى تحتية لا تعتمد على القطاعات الهشة، التي سرعان ما تتأثر بالوضع الأمني، كفرز الأراضي/ تأمين المياه عبر السدود/ تأمين البذور للزراعة/ تأمين المواد الأولية الصناعية بشكل مُستدام/ بناء خطوط الإنتاج، شرط أن تتناغم هذه الأمور مع النمط الأكاديمي السائد، للتوفيق ما بين الإختصاصات الجامعية وسوق العمل.
ولفت سيف الدين إلى وجوب التخطيط للإقتصاد المُنتج، الذي لا يتُم عبر جهود الحكومة فقط، بل يحتاج إلى سياسة دولة بأكملها، قياساً بكل المؤسسات الرسمية، وبتعاون القوى المؤثرة بهذا القطاع ككل، إضافةً إلى تحديد المُنتجات التي من شأنها إضفاء نزعة إيجابية داعمة للبنان في الأسواق العالمية، مع المحافظة على الحرية الإقتصادية.
وتابع: نحن نواجه مشكلة السيادة الغذائية، ولم نفقِد حتى الساعة الأمن الغذائي، طالما أن المواد المطلوبة مُتوفّرة بسعر مرتفع، لأن عملية الشراء تتم عبر العملات الصعبة.
وفيما خص المبادرات المناطقية للأحزاب لدعم القطاع الزراعي، نفى إمكانيتها في حل الأزمة على المدى الطويل، باعتبار أنها تعالج المسائل الآنية، خاصةً إن لم تترافق بالسياسة العامة للدولة.
وأردف: إن صعوبة الإستيراد ليس من شأنها النهوض بالقطاع الزراعي، فالتعويل على الإنتاج المحلي يفرض تأمين المُنتج اللبناني من البذرة، للأرض، للمياه، مروراً بالسوق والكفايات التجارية، وصولاً إلى إرشاد المزارعين حول المواد الواجب زرعها، ونحن كمجلس إقتصادي إجتماعي قدمنا مجموعة إجراءات ترمي إلى أهمية تقديم قروض للمزارعين وسائر القطاعات بالليرة اللبنانية بصفر فائدة، مما يؤدي إلى تشجيع المشاريع الزراعية أولاً والإقتصادية ثانياً، لكنها لم تُقر حتى الساعة في مجلس الوزراء.
وعن إرتفاع سعر صرف الدولار والخطوات الواجب إتباعها، أكد وجوب تحديد موازنة دولة خالية من العجز، تساعد على إستدامة عدم طلب الدولار بشكل حاد، قائلاً: من الممكن الإستفادة من فرصة إنخفاض قيمة المستوردات الخارجية بنحو 8 مليار دولار، لتخفيف الفجوة الموجودة في الميزان التجاري، فالمسبب الأول لأزمة الدولار هو سياسي بحت، أما الثاني فهو الوضع المالي والنقدي.
المشهد الإقتصادي اللبناني لا زال ضبابياً حتى الساعة، فالإقلاع عن صفر إنجازات، وصولاً إلى وُجهة إقتصادية مغايرة، لا تتُم بـ”كبسة زر” كما يتخيّل البعض، نحن بحاجة للتوافق السياسي أولاً، المُرفق بتقدير الخسائر وتوزيعها، والبدء بوضع نظام يُرمم هذه الخسائر ويُعيد المُدخرات الموجودة في المصارف، وبذلك نكون قد بلغنا أولى خطوات التحول الإقتصادي.