عبير شمص- ليبانون تايمز
ما يحصل في البقاع، وبالتحديد في بعض القرى البقاعية المجاورة لحوض الليطاني لا يمكن وصفه بأقل من إبادة جماعية بمرض السرطان في ظل صمت غريب. ملوثو الليطاني يفتكون بشباب هذه البلدات دون رحمة، هذا النهر الذي من المفترض أنه يشكل ثروة مائية للبنان عموما وللبقاع خصوصاً حوله البعض من نعمة إلى نقمة حقيقية تهدد حياة الناس في كل لحظة وحين، بحيث لم نر سوى المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تسعى وتعمل لوقف هذا التلوث، وحققت الكثير من الانجازات.
مؤخراً ازدادت نسبة الوفيات بسبب امراض السرطان في القرى والبلدات المجاورة لحوض الليطاني بشكل رهيب لا سيما في منطقتي حوش الرافقة وبر الياس، في الوقت الذي تغفل فيه الدولة اللبنانية عن هذا الموضوع، غير آبهة بأبسط حقوق الإنسان وهي الحياة، فمن شرع لهذه الدولة الاستهتار بحياة الناس بهذه الطريقة، وهنا يتحدث الدكتور محمد شحادة اختصاصي قلب وشرايين وابن بلدة حوش الرافقة ومتابع لموضوع تلوث الليطاني عن كثب لليبانون تايمز لافتاً إلى أن لبنان يحتل المركز الأول في غرب آسيا من حيث المصابين بمرض السرطان ومن حيث الوفيات بسببه، مشيراً إلى أن بلدة حوش الرافقة تشكل ٣ أضعاف المعدل العام، وبر الياس ٥ أضعاف هذا المعدل وذلك حسب دراسة مصلحة الليطاني.
عام بعد عام تزداد نسبة التلوث، ويموت شباب بعمر الورد لم يبصروا ملامح الحياة الا بمرّها، أنهى تلوث الليطاني حياتهم عند سن ١٩ و٢٤ عاما، وهذا محمد الكيال الذي توفي منذ سنتين، وحبيبة القرصيفي بالأمس ، والهام يزبك اليوم الشهود، ذنبهم الوحيد أنهم يجاورون النهر، ويلفت الدكتور شحادة إلى أنه على مدار سبع سنوات، شكل عدد الإصابات ما يقارب ٦٠ ٪ تحت عمر الخمسين عاماً، حيث توفي ٦٥ حالة إصابة بالسرطان خلال هذه الأعوام، واليوم هناك ١٤٥ حالة مكتشفة حتى الآن.
وإذا ما أردنا بحث الاسباب فالعنوان العريض لها هو تلوث الليطاني، و يؤكد شحادة هنا ان السبب هو المعامل الموجودة على ضفاف النهر والتي تستعمل مادة حمض النتريك الكيميائية لتعقيم وتنظيف آلات التصنيع والتي تعتبر من أقوى المواد المسرطنة لا سيما وأنها ترمى مباشرة في النهر دون أي معالجة، ولكن هذه المعامل ليست السبب الوحيد، فاستعمال المبيدات والاسمدة الزراعية على حد تعبير شحادة بشكل عشوائي في ظل عدم توعية المزارع حول أضرار هذا الاستعمال، بحيث همه الحصول على انتاج سريع دون النظر إلى العواقب، فهذه الاسمدة والمبيدات تتسرب إلى باطن الأرض، وتسبب مادة النيترات التي فيها الأمراض السرطانية. وأيضا تسرب مياه الليطاني للمياه الجوفية حيث تصبح الآبار الارتوازية بدورها ملوثة، في الوقت الذي تستخدم فيه للاستعمالات المنزلية وأحيانا للشرب، ويؤكد شحادة أنه في هذا السياق تم اتخاذ عينات من مياه المنازل في منطقة حوش الرافقة، واظهرت النتائج المخبرية وجود مستعمرات من البكتيريا وابرزها فضلات الإنسان وهنا الكارثة على الصحة.
لا تنتهي الأسباب، فري المزروعات مباشرة من مياه الليطاني هو سبب آخر، ويشير شحادة إلى أن هذا الموضوع أصبح بعهدة الجهات المختصة بمتابعة ملف الليطاني على أن تتحرك في القريب العاجل، ولكننا للأسف حتى الآن لم نرَ بوادر.
هذه الأسباب وغيرها لا تشكل فقط خطرا للإصابة بالسرطان فقط وإنما تؤدي إلى عشرات الأمراض ، ويلفت شحادة انها تسبب الأمراض الجلدية والحساسية خاصة عند الأطفال، والأمراض النفسية بسبب الروائح الكريهة على مدار ست أشهر من نيسان إلى تشرين، وتؤثر على الخصوبة، بالإضافة إلى الأمراض العصبية والنفسية.
واخيرا ،هل استقالة الحكومة وظروف البلد شكلت عائقا أمام استكمال المشاريع؟! ، وهل سيودي تشكيل الحكومة إلى اضطلاع الجهات المعنية بدورها، وتوقف الاستهتار الحاصل بحياة الناس؟!