الدكتور مجتبى مرتضى – ليبانون تايمز
خطاب التكليف، كما خطاب ختام إستشارات التأليف كانا ملفتين، إن لجهة تحسس رئيس الحكومة المكلف الدكتور حسان دياب للمسؤولية الوطنية أو للذهاب نحو حكومة سريعة التأليف، فائقة الفعالية، تعمل على معالجة الملفات على قاعدة الأولى فالأولى.
حُسن اختيار المجموعة الوزارية، والعمل على تدعيمها بالشخصيات القادرة على تحمل مجمل الضغوط، اذا، هو المدماك الأول في بناء الثقة الشعبية المطلوبة لتحصين هذه الحكومة أمام الهجمات المتوقعة من أكثر من جهة ولا سيما من الأحزاب المتمنعة من دخول الحكومة مباشرة او مواربة وكذلك أمام الضغوط الخارجية المتوقعَة إن كان لجهة ترسيم الحدود البحرية او لجهة ملف النفط وملحقاته.
الوعود الفضفاضة واللغة الخشبية لم تعد تجدِ نفعاً في تحويل أنظار الناس عن المطالب المحقة والمزمنة على غير صعيد. النزول إلى الشارع سيكون عنوان المرحلة المقبلة. وضع آليات للمحاسبة والمراقبة هي بنفس أهمية وضع الخطط والاستراتيجيات. العمل على تحقيق الشفافية المطلقة يجب أن يكون في أول أهتماماتها.
المتألمون، الموجوعون وفاقدو الأمل بمستقبلهم في هذا البلد كما المراقبون المنتظرون على مفرق الغلطة الأولى يضاف اليهم الحكومات الأجنبية الحليفة والصديقة وغيرها. هؤلاء جميعاً، كلٌ من زاويته ينتظر ويراقب. لذلك فإن تحسس أحوال الناس والنزول اليهم، والابتعاد عن مظاهر الترف في المأكل والمشرب والحِل والترحال (حتى المشروع منه) أضحى ضرورةً على الحكومة الالتفات اليها في تصرفاتها كي لا تستفز الناس، ولعكس روح الجِديّة لديها في مقاربة الواقع المزري الذي يرزح تحته الشعب.
إن بدعة تقاذف المسؤوليات بين الوزراء وغياب الانسجام والتناغم والتكامل بينهم لم يعد مقبولاً على الإطلاق. وممارسة المعارضة والمزايدة داخل الحكومة يجب أن يُمس من الماضي.
إن انصراف الحكومة إلى العمل الفعال والمنتج، يتطلب رؤية واضحة وقرارات حاسمة تأخذ بالحسبان أولاً وأخيراً مصلحة الناس. الشرعية يعطيها الناس، اولئك الذين يستحقون حياة كريمة، عزيزة ومحترمة في وطنهم لا تزكّم أنوفهم فيه رائحة النفايات ولا الصفقات ولا الطائفية التي بات العمل الجاد على إلغائها ضرورة وطنية لضمان بقاء الدولة والبلد. هذا البلد، الذي يئنّ من جمرها المدفون تحت رماد الشعارات الرنانة والكاذبة من غير طرف.
دستور الطائف، حفظ مرحلياً الخصوصية الطائفية إلى حين بلوغ الدولة سن الرشد. غير أن معظم أصحاب الطائف، الذين اعتقدوا بتخطي هذا الحاجز خلال سنتين من عمر الجمهورية الثانية، واللاحقين بهم على مدى ثلاثين عاماً كرسوا هذه الآفة شعاراً وممارسة ومزايدة وتبجحاً ولم يلتفتوا إلى النتائج القاتلة لهذه الممارسات على المجتمع والشعب الذي انقسم الى رعايا في طوائف سلطة ما بعد الطائف.
سلطة متوافقة بالشعارات متصارعة بالفعل، تتعامل مع طوائفها مطية لتكريس الزعامة وتكديس الأموال والتفلت من المحاسبة. على مدى السنوات الماضية لم نسمع الا طروحات يتيمة في هذا الصدد لعل أبرزها مبادرات الرئيس نبيه بري، مرة، منادياً بضرورة إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، ومرة أخرى، مطالباً بقانون انتخابي عصري بعيداً عن القيد الطائفي اوجامعاً للكل حول طاولة مستديرة تبحث في الاستراتيجيات الوطنية. الا أن كل هذا لم يحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع. السبب واضح وصريح، هذه الطبقة السياسية، إلاّ من رحم، عصية على التطور والتطويع لأنها بنَت شرعية وجودها على العصبية ولأنها قاصرة عن تقديم المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية.
الحاجة إلى الخروج من هذا النفق المظلم يدفعنا بقوة الى الرهان على نفس حكومي جديد، وعلى تعاون مثمر بين أركان السلطة التنفيذية يأخذ بالحسبان كل هذه الهواجس ويترجمها إنجازات يتطلع اليها الشعب بمختلف قطاعاته ولا سيما المنتجة منها.
سرعة التأليف ستكون مؤشر إيجابي ومطمئن لجموع المواطنين، كما أن تسهيل الولادة سينقذ الجميع بمن فيهم أولئك الذين قفزوا من مركب مسؤولياتهم الوطنية التي كانت تحتم عليهم البقاء والمشاركة، وكذلك من قبل المجموعات الواقعية في الحراك، خاصة وأن المشكلة ليست في الأشخاص حصراً بل بالارادة وصدق النوايا. لن يكون أمام هذه الحكومة في حال تشكيلها فرصة طويلة لأثبات مقدرتها على تجاوز الأزمة الحالية.
تحويل الفرصة إلى هدف أمر جميل ولكن الإنجاز الحقيقي يكون بالفوز في النتيجة النهائية. العبرة، اذاً، بالخواتيم.