حرب الشائعات.. كيف نواجهها
سارة طهماز – ليبانون تايمز
إستُخدمت الأخبار المفبركة على مر التاريخ لتحقيق ماَرب سياسية وإستعمارية شتّى، نذكر منها خطاب وزير الخارجية الأميركي الأسبق، كولن باول، في شباط 2003، أمام مجلس الأمن الدولي ضد العراق، وفي العام 2010 إعترف بهذه النقطة السوداء التي أضيفت إلى سجله.
اليوم، تقوم العديد من المراجع السياسية الداخلية والخارجية، والشعبية بإختيار هذه الأداة لتحقيق غاياتها وتأجيج الشارع اللبناني ضد بعضه، إن كان لناحية المجتمع المدني أم لناحية الأحزاب اللبنانية المنتشرة في مناطق مجاورة لبعضها البعض، فلبنان يعد رقعة جغرافية ضيقة بعدد هائل من الأحزاب والمرجعيات السياسية التي تختلف أفكارها ومعتقداتها، وكل منها يغني لبنانه على ليلاه “بوطنية”.
الإنتماء إلى قضية
وقد عرف أهمّ القادة على مرّ التّاريخ كيف يستغلّون نفسية الجماهير ليجذبوهم إلى أفكارهم وأوامرهم، فالجماهير التي هي فوضوية بطبعها تميل إلى حب السلطة القوية وتخاف من فقدانها، حيث أنها تتنمر وتنقلب على السلطة الضعيفة، وفي حال كانت السلطة تتأرجح بين هذا وذاك فإن الجمهور أيضاً يتأرجح بين الالتزام والفوضى، ولكن تبقى الغريزة الثورية والانتماء إلى قضية أمرًا مهيمنًا على روح الجماعة بشكلٍ كامل، فالأفكار لا تفعل فعلها في الجماهير إلا إذا أدخلت إلى اللاوعي وتحولت إلى شكل عواطف، لذلك فإن السامع المثقف أيضًا ما إن تتلو عليه حقيقة وتعود إليه بعد أيام إلا وتجده قد عاد إلى خزعبلاته القديمة بصفتها رسخت وتحولت إلى عواطف بداخله لا يستطيع الحياد عنها، فالإنسان بطبعه منذ أن وجد لا يكف عن خلق عادات وتقاليد خاصة به ليقوم بتدميرها وبناء أخرى بديلة وهكذا، كما يقول غوستاف لوبون، الطبيب والمؤرّخ الفرنسي.
الشائعات..
لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع أو نقرأ بعض الأنباء التي يثبت مع الوقت عدم صحتها؛ ورغم ذلك فإن ذات الآلية والطريقة اللتين تتدفق منهما تلك المعلومات لا يزال هناك من يؤمن بهما ويعتقد بما تروى من روايات، ويقوم بنقل الأخبار وتداولها في تكريس لمفهوم الشائعة التي تعني الخبر الذي ينتشر في المجتمع بشكل سريع، ويتم تداوله بين العامة ويأخذ طابع التشويق والإثارة وعادة ما يرتبط بمواضيع حيوية ويفتقد إلى مصادر محددة أو موثوقة.
تعتبر الشائعة أحد أسباب الحرب النفسية وتدخل في صميم حرب المعلومات فهي تؤثر على العدو والصديق في اَن معا، وتزيد إستخداماتها في فترة الأزمات من قبل الشخص الذي يهدف إلى توتير الأوضاع. والمهتم اليوم في زيادة الشائعات في الشارع اللبناني هو نفسه المستفيد من شحن النفوس تمهيدا لتفاقم المشكلة، بحسب الإختصاصي في علم النفس محمد بدرا.
ويقول بدرا “تحتاج الشائعة لمرسل ومتلقي وأداة للإنتقال ومع تكرير الشائعات يتم الشحن والإحتقان، فالمتلقي ينقسم إلى 3 أصناف، الأول هو المتلقي الحاكم أو المنتقد وهو من يفكر باللإشاعة مع قياسها والبحث فيها، والصنف الثاني هو الذي يرفض الإشاعة من أساسها. والثالث، ويعتبر الأخطر وهو المتلقي العاطفي والذي لديه نسبة وعي منخفضة خاصة في فترة الأزمات”.
ويتابع “لذلك فتلعب الشائعات دورا كبيرا في تغيير الأراء والأفعال والمواقف لأننا نتمتع بوعي منخفض وتحت جهوزية تامة لتلقي الأخبار خاصة أنه هناك قابلية لإنتشار بعض الشائعات”.
وردًا على سؤال عن كيفية التعامل مع الشائعات، أوضح بدرا أنه “لزيادة الوعي يجب العمل على 3 مستويات، الأول البعيد المدى ويحتاج لزيادة الوعي عند الجماعة الكم المعرفي تجاه الأحداث أو إتجاه المواقف، فعلى المجتمع أن يتمتع بالوعي الكافي الذي يمكّنه من تمييز فكرة، والثاني على المدى القصير، عبر التدقيق بالمعلومات مع معلومات ثانية قريبة لها، وثالثا والأهم هو القطع بحيث أننا يجب أن لا نكون ناقلين للإشاعة فنقوم بقطعها عند وصولها إلينا بدلا من نشرها وإطلاع الأخرين والمساهم في نقل الفكرة في اللاوعي.
نحن اليوم أمام ثقافة المواطن ويعتبر كل فرد منا إعلامي، وعلينا أن نتحلى بالمسؤولية الوطنية في الأزمات وطرد الأفكار التي تشحن النفوس في ظل حفلة الجنون التي نشهدها.