الأخبار ـ نقولا ناصيف
الى ان تكرّس الاستشارات النيابية الملزمة تسمية النائب والوزير السابق محمد الصفدي رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة، فإن الغموض سيظل يحوط بهذا الترشيح والدوافع التي افضت اليه. ناهيك بقياس ردود فعل الحراك الشعبي حياله
حتى اللحظة الاخيرة التي سبقت اجتماع بيت الوسط مساء الخميس، ظل الثنائي الشيعي يراهن على ان الرئيس سعد الحريري سيعود عن قراره العزوف عن ترؤس الحكومة الجديدة. رغم ما شاع ان الثنائي تبلغ منذ السبت الفائت (9 تشرين الثاني) من الاجتماع بالحريري عدم رغبته في العودة الى السرايا، مع ان الثنائي ابرَزَ له مرونة بتسمية وزراء حزبيين من غير النواب، الا ان رئيس البرلمان نبيه برّي قال انه وحزب الله لم يتبلغا رسمياً اي قرار في هذا الشأن ما خلا ما وصل اليهما من خلال وسائل الاعلام والتناقل.
مساء الاثنين (11 تشرين الثاني) في اجتماع الحريري مع الوزير جبران باسيل دار الحديث على لائحة اسماء محتملة لخلافة الحريري في السرايا، في ضوء اصراره على عدم العودة اليها. قبيل مقابلته التلفزيونية مساء الثلثاء المنصرم (12 تشرين الثاني) تلقى رئيس الجمهورية ميشال عون مكالمة هاتفية من باسيل جراء مزيد من الاتصالات اعقبت احاديث ليل الاثنين اعادت الشكوك اليه، ما حمله في الحوار التلفزيوني على عدم الجزم بتحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة – وكان هذا الموعد مرجحاً الخميس – وكذلك على عدم الجزم تماماً ايضاً بأن الحريري خرج تماماً من سباق تأليف الحكومة. فحوى المكالمة المفاجئة التي بعثت الشكوك مجدداً ان الرئيس المستقيل اوحى بتردده حيال قرار العزوف او عدمه، ما اعاد التفاوض معه الى الصفر.
كان باسيل اكد على هامش المقابلة التلفزيونية، انه ومن قبله الثنائي الشيعي تبلغا منذ السبت (9 تشرين الثاني) ان الرجل ليس عائداً، ولم يخفِ وزير الخارجية بدوره انه لن يعود هو ايضاً الى قصر بسترس، في محاولة رمت الى اظهاره فتح كوة في الازمة الحكومية. في اليوم التالي، 13 تشرين الثاني، نفى الحريري ما شاع ان يكون اعتذر عن عدم تأليف الحكومة، قائلاً انه لم يُكلف كي يفعل. كانت هذه ايضاً اشارة اضافية الى ارتباك الموقف وترجحه بين العزوف والعودة، جاءت استكمالاً للتحفظ الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية في العشية، في الحديث التلفزيوني. مساء امس الاول، الخميس، انقلبت الحال رأساً على عقب بتسريب اسم النائب والوزير السابق محمد الصفدي رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة.
مع ذلك، فإن بضعة معطيات تشي بالكثير من الشوك في طريق الحكومة الجديدة:
1 – ليس من السهولة بمكان ان يقرر رئيس الجمهورية، بالاتفاق مع حزب الله، الانتقال الى Plan B، والذهاب من ثم الى حكومة برئاسة الصفدي تمثل فريق الغالبية النيابية، مختلطة تكنوسياسية من دون وزراء نواب. تالياً يحتاج هذا الفريق الى مزيد من التأني في مناقشة المأزق الحكومي، وتفادي اي ثغر تضعه في آن في مواجهة خصومه في الطبقة الحاكمة كما في الشارع. بل يبدو قريباً من المؤكد ان لا plan B في حسابات رئيس الجمهورية من شأنه مضاعفة التدهور الداخلي. وهو مغزى رغبة هذا الفريق في عودة الحريري الى السرايا من غير ان يسلّم حتماً بكل شروطه. اضف انه لم يوصد الباب تماماً امام هذه العودة.
2 – ليس سهلاً على فريق الغالبية التسليم، تحت ضغط الشارع، بالتخلي عن نتائج انتخابات 2018 وتوازن القوى الذي نجم عنها، ولذا وافق على تراجع محدود يقضي بالموافقة على حكومة مختلطة من دون التنازل عن وزراء سياسيين يكونون من الحزبيين، من غير النواب حتى. يتعامل هذا الفريق كما لو انه يريد تخفيف خسائره لكن من دون التصرّف – ولا الاعتقاد حتى – بأن انفجار الشارع ألحق به هزيمة فعلية. مع ذلك يعرف سلفاً ان الحكومة الجديدة بمواصفات كهذه لن ترضي الحراك الشعبي، الا انها آخر عتبات تراجع فريق الغالبية.
3 – بدت مثيرة للغرابة بضعة تسريبات ترافقت مع الاعلان عن الصفدي رئيساً للحكومة، تارة بالقول ان الرجل لا يحظى بدعم سنّي كاف، وطوراً بأن تيار المستقبل لن يشارك في حكومته، او ان المشاركة هذه ستكون بالواسطة. ظاهر ما حدث ان ترشيح الحريري الصفدي منحه للفور التغطية السنّية التي يقتضي إكتمالها بالانضمام الى حكومته ومنحه الثقة، وتالياً اتاحة الفرصة لحكومته كي تتمكن من الحكم. من دون هذا الغطاء، او افتقاره اليه لاحقاً، من شأنه وضع الصفدي وحكومته – اذا تمكن من تأليفها – في حال مماثلة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 عندما إتهمت بافتقارها الى الغطاء السنّي ومناوأة الحريري وتياره لها، واتهامها بأنها حكومة الفريق الواحد لانبثاقها من غالبية نيابية جديدة نشأت حينذاك بعد اسقاط اولى حكومات الحريري. الا ان الحديث عن احتمال افتقار حكومة الصفدي الى التغطية السنّية من شأنه ان يؤول حتماً الى التساؤل عن احتمال مشاركة وليد جنبلاط وحزب القوات اللبنانية فيها.
في سابقة 2011 تمكن ميقاتي من تأليف حكومته جراء وقوف جنبلاط الى جانبه، وكان الزعيم الدرزي المسؤول المباشر عن انتقال الغالبية النيابية من قوى 14 آذار الى 8 آذار بتخليه يومذاك عن الحريري. ليست الحال تماماً الآن. يتصرّف جنبلاط وجعجع على انهما في صلب الحراك الشعبي، وليسا معنيين بأي من شعاراته المنددة بالطبقة الحاكمة، كما لو انهما ليسا – ولم يكونا – منها، وكانا من ابرز المتحمسين في دعوة الحريري الى الاستقالة. اذذاك، مع حكومة ليس فيها الحريري ولا جنبلاط ولا جعجع، لا استنتاج سوى ان رئيس الجمهورية وحزب الله وقعا في فخ حكومة الفريق الواحد، الامر الذي يريدان تفاديه.
4 ـ ليست لدى حزب الله اجوبة واضحة عن اسباب عزوف الحريري عن ترؤس حكومة يشارك فيها حزب الله، كما عن دوافع اصراره على ترؤس حكومة ليس فيها وزير للحزب، على وفرة ما قاله ماضياً عن مقتضيات الاستقرار الداخلي ودور الحزب فيه. في حسبان حزب الله ان الفيتو الغربي مصوَّب عليه هو وليس على الحريري، خصوصاً ان تجربة التعايش – وإن الملزم – بينهما منذ حكومات ما بعد اتفاق الدوحة، ثم خصوصاً في الحكومتين الاوليين لعهد عون، اظهرت الكثير من التعاون والتفهّم المتبادل من دون خلوهما من بعض المآخذ والخلافات. ليس حزب الله مَن نادى الحريري الى استقالة حكومته، واكثر من مرة قال امينه العام السيد حسن نصرالله انه لا يؤيد إسقاط الحكومة. مع ذلك تطوّع رئيس الحكومة لاسقاطها.