الأخبار ـ إيلده الغصين
لم تكن المرّة الأولى التي يهتف فيها المتظاهرون، منذ بداية انتفاضتهم وفي مختلف الساحات، ضدّ رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، مطالبين إيّاه بـ«إرجاع الـ11 مليار» واصفين إيّاه بـ«المنشار والحرامي». غير أن الهتافات أتت أمس، من أمام منزله في شارع بلس (الحمراء)، في وقفة تحوّلت حاشدة مع انضمام مجموعات من الطلاب والمتظاهرين من رياض الصلح… مع علامة فارقة بحضور مجموعة من قطاع الشباب في التيار الوطني الحرّ بشكل «رسمي ومنظّم»، في أول اختلاط لقاعدة التيّار بتحركّات الانتفاضة بعدما كانت قامت منفردة بتحرّكاتها أمام قصور العدل، وفي بعبدا الأحد الماضي دعماً للرئيس ميشال عون.
في بداية انتفاضة 17 أكتوبر، حصلت «ميني» احتجاجات أمام منزل السنيورة، لم تحظَ بتغطية واهتمام. لكنّ تظاهرة أمس، أتت معبّرة بعد ساعات على تقديم السنيورة إفادته في جلسة استماع دعاه إليها المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، في قضيّة «صرف مبلغ 11 مليار دولار حين كان رئيساً للحكومة بين 2006 و2008». تصريح مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات أوّل من أمس، عن أنه «تعذّر إبلاغ السنيورة وسيتمّ الاستماع إليه الخميس المقبل من خلال النيابة العامة التمييزيّة (وليس الماليّة)»، أدّى إلى تكثيف الدعوات للتظاهر أمام منزله لـ«إبلاغه بشكل مباشر». عودة الرئيس السابق «إلى السمع» وتبليغه بواسطة عويدات وحضوره الجلسة أمس، لم يمنع المتظاهرين من التجمّع أمام منزله في بلس، بالتزامن مع تجمّع آخر أمام منزله في صيدا… وهو ربّما كان في منزل ثالث له إذ «لم يحضر إلى منزله في بلس منذ 3 أيام»، بحسب أحد الجيران. تسهل ملاحظة غياب السنيورة عن منزله، إذ يغيب معه معظم المرافقين «يفوقون الثلاثين عنصراً من قوى الأمن وأمنه الخاص ومناصرين يساهمون في قطع الشارع كلّما خرج من منزله» بحسب الجار. عناصر الأمن الخاص، انتشروا أمس بين المتظاهرين وكانوا على أهبة الاستعداد، يصوّرون الوجوه ويلتقطون السيلفي مع المراسلين الإعلاميين ويدردشون مع «الثوّار» على أساس «نحن منكم ومعكم». إلى الأمن الشخصي، حضرت قوى الأمن الداخلي بكثافة و«غطّى» عناصر مكافحة الشغب مدخل مبنى «بلس غاردن». فيما بقي المحتجّون في الشراع الفاصل بين المباني التي «لا تقلّ فيها الشقة عن الأربعة ملايين دولار، والسنيورة يملك طابقين دوبلكس فيها» على ذمّة الجار نفسه، وبين الجامعة الأميركيةّ التي اعتصم طلّابها أول من أمس مقفلين مداخلها. أُطفئت الإنارة في الشارع الذي لا يعرف العتمة قبل بدء التجمّع، بعدما صار قطع الكهرباء «تكتيكاً»، يُجمع المتظاهرون على أنه يتكرّر في كل نقطة تجمّع كما حصل معهم أمام فندق «إيدن باي».
حضور قطاع الشباب في التيار الوطني الحر كان واضحاً بين المتظاهرين. مناصرو التيّار تجمّعوا في ما بينهم وأخذوا يهتفون بما حملوه معهم من شعارات قرأوها عبر هواتفهم المحمولة. «كلّن يعني كلّن، القضاء فوقن كلّن» ردّدوا، في استكمال لتحرّكاتهم التي بدأوها من أمام قصور العدل على اعتبار أن المعركة القائمة هي لـ«تحرير القضاء وتحقيق استقلاليّته». مطالب الثورة «محقّة وهي مطالبنا»، والانخراط بين المتظاهرين يأتي اليوم بعد «خروج الميليشيات والأحزاب التي أخفت حضورها، وبعد هدوء الشارع الذي لم يعدّ مصوّباً على شخص واحد». «على النضيف»، أراد قطاع الشباب «المتقدّم دوماً على قيادتنا»، المشاركة في انتفاضة «تكسّرت فيها خطوط حمراء وطائفيّة لم نكن نحلم بتكسيرها».
ولأن الرئيس عون «قال وحّدوا الساحات، جينا نوحّدها، وليس موقفنا الدفاع عن أحد». وفي حين كان المتظاهرون يبدون «ارتياباً» من وجود مناصرين حزبيّين بينهم، بدأوا ترداد الهتافات ضدّ الوزير السابق جبران باسيل ومدير عام الجمارك بدري ضاهر (ادّعى عليه القاضي ابراهيم بجرم هدر المال العام) الذي لوحظت مشاركته في تظاهرة التيّار الأحد… إلاّ أن ذلك ليس بمشكلة بالنسبة للعونيّين الذين خاضوا نقاشات جانبيّة عن سابق تصميم مع «ثوّار أكتوبر». فهم نزلوا على قاعدة «ما نقتنع به من الهتافات نردّده، وبالنسبة لضاهر أو سواه نحن مع محاسبة القضاء لكل من هو في السلطة». المواجهة مع المتظاهرين «خط أحمر»، و«لن نتعرّض لأحد» في حال تم التعرّض لرموز التيّار. تعليمات القيادة واضحة. أما الثورة «فهي ملك الثوار أنفسهم الذين تمكّنوا بتظاهراتهم من تحريك الملاحقات القضائيّة التي كنّا نطالب بها منذ سنوات»، وفق نائب منسّق قطاع الشباب في التيار إيلي أبي رعد، وبرأيه فإن «الحلّ بحكومة تكنوسياسيّة بوجوه نظيفة من دون الاعتراض على شخصيّات معيّنة». القضايا «المشتركة مع الثوار» عديدة بالنسبة لقطاع الشباب، لكن هل سيشارك في التحرّك ضدّ سد بسري السبت مثلاً؟، «لا يمكننا الموافقة على كلّ التحركات، حتى الثوار لا يوافقون على جميعها!» وفق أبي رعد. الأولويّة الآن لـ«محاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة». هل سيحشد التيار في تحرّكات الانتفاضة التي تبدو مفتوحة؟ «نعم، بطريقة منظّمة وواضحة، ممنوع فيها الاستفزاز».