خلود شحادة – خاص ليبانون تايمز
لم تعد تلك الاعلانات عن تخفيضات تصل الى حدود 70% التي تحتل واجهات المحلات في الضاحية الجنوبية بالأمر الجاذب، فعملية التصفية ليست لاتاحة المجال أمام ما استحدثته “الموضة” بل انه بداعي الاقفال!
المحل برسم البيع، المحل برسم الايجار، وتصفية عامة بسبب الاقفال، أكثر ما يمكن أن تلمحه في أسواق الضاحية الجنوبية التي يلحظ فيها زحمة السيارات وغياب المشاة القاصدين لهذه المحال رغم “العروض المغرية” المقدمة.
يترجم حالة النفور من الشراء رغم “تخفيض الأسعار” الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين بأن الطلب على الكماليات انخفض من قبل المواطن، الذي يحاول قدر الامكان ادخار المال المكتسب لشراء الأساسيات لما يشكل الوضع الاقتصادي الحالي من مخاوف لدى جميع المواطنين.
انكماش اقتصادي لا يخفى
في حديث مع محمد منصور وهو أحد أصحاب المحال التجارية في سوق عين السكة، أكد أن الوضع الاقتصادي انعكس مباشرة على المبيع، بحيث أنه انخفض عن العام الماضي حوالي ٥٠٪، مشيراً الى أنه في الأشهر الثلاثة الماضية انخفض المبيع الى ٨٠٪.
يؤكد الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين في حديث لموقع ليبانون تايمز أن الاقتصادي اللبناني يعاني من انكماش بات واضح المعالم ولا يخفى على أحد من الدولة، لافتا ناصر الدين الى أن أحد الأسباب التي أدت الى الانكماش هو تراجع “حركة المبيعات” العائدة الى ما سبق ذكره عن تراجع الطلب على الكماليات.
ويشرح ناصر الدين عن دور العجز الكبير الذي يصيب الميزان التجاري بتعزيز الانكماش، حيث أن لبنان يستورد بعشرين مليار دولار ويصدّر بثلاث مليارات فقط، لافتاً الى أنه خلال الحرب وقبلها كان لبنان يصنّع بنسبة 50% من البضائع التي يستوردها الآن، ويعود هذا التراجع الى الاعتماد على الاقتصاد الريعي بدلاً من الانتاجي. ويوضح ناصر الدين أن الأزمة تفاقمت أكثر، وازداد الانكماش الاقتصادي بعد أزمة الدولار، فقد بات التجار يستوردون بالدولار ويبيعون بالليرة مما يكبدهم خسائر كبيرة.
وهذا ما أكد عليه التاجر علي الزين، حيث أوضح أنه يشتري بالدولار ويبيع بالليرة مما جعل عملية البيع والشراء حسب قوله “راس براس” من دون ربح. بدوره أكد منصور أنه اذا استمر وضع الليرة على هذا المنوال مقارنة بالدولار، فانهم سيضطرون الى رفع الاسعار لأن الوضع لا يحتمل، مما سيضعف قدرة الناس على الشراء وبالتالي تفاقم الانكماش.
سياسات خاطئة..
يلفت الخبير الاقتصادي الى أن العديد من السياسات الاقتصادية المعتمدة في لبنان هي من أنهكت اقتصاده في الوقت الذي من المفترض أن تكون سبباً في حل الأزمات، ومنها الضرائب العالية التي تفرض على المؤسسات التجارية والتي تثقل كاهلها، في الوقت الذي تعتمد سياسة الفوائد العالية على الودائع المصرفية مما يشجع الناس على تجميد حساباتها في المصارف عوضاً عن استثمارها في ظل غياب سياسات التشجيع على الاستثمار.
ويوضح أن “انخفاض الرواتب مقارنة بغلاء الأسعار وفوائد مصرفية مرتفعة، وانخفاض فرص العمل التي كانت نتيجة محتمة للانكماش الحاصل، والتي أدت الى ارتفاع نسب البطالة وانخفاض القدرة الشرائية أوصلتنا الى التضخم المالي”.
حلول ليست مستحيلة..
يؤكد ناصر الدين أن ايجاد الحلول لهذا الوضع المتردي ليس بالمستحيل، لكنه يحتاج لارادة البدء والتنفيذ والاستمرارية، مشدداً على ضرورة التشجيع على استهلاك الصناعات المحلية عبر دعهما لزيادة الانتاجية، وذلك يتم من خلال اعتماد سياسة التحفيزات عبر تقديم اعفاءات ضريبية للصناعات الداخلية، لافتاً الى أن هذه الخطة يجب أن تقترن بفرض ضرائب مرتفعة جداً على البضائع المستوردة خاصة على تلك التي تستورد وينتج منها لبنان في الوقت ذاته، مما يؤدي الى زيادة الطلب على الانتاج المحلي وتخفيف الاستيراد مما يخفض العجز في الميزان التجاري.
رغم محاولات الطمأنة، الا ان الايام المقبلة ليست بالمريحة اذا استمر الوضع على ما هو عليه، ويجب العمل لاتخاذ اجراءات سريعة تنعش الوضع الاقتصادي وتفتح الباب للاستثمارات، فالمواطن الذي يعاني من انكماش اقتصادي ينذر بانهيار، يصرف الدولار بسعرين في السوق، ويعيش مخاوف فقدان المحروقات بين لحظة وأخرى، ومهدد بلقمة عيشه، وبات الخوف أن ينتج صبره “ثورة الجياع”!