نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للكاتب ديفيد إغناتيوس، يقول فيه إن الرئيس ترامب قام بتصوير نفسه في السياسة الخارجية على أنه “المعطل العظيم”، مشيرا إلى أن هذه المقاربة خدمته لفترة من الزمن بشكل جيد.
ويستدرك إغناتيوس في مقاله، بأن “مشكلة ترامب هي أنه، بعد عامين، فهمته الدول الأخرى، وبدلا من تشكيل صفقات جديدة يستطيع ترامب أن يلوح بها على أنها انتصارات، فإن هؤلاء الخصوم قاموا بلعب لعبة الانتظار، وبدا أنهم يشعرون بأن ترامب ليس عنده صبر، بالإضافة إلى أنه متعطش للأضواء، وهو ما يقوض مقدرته على التفاوض”.
ويشير الكاتب إلى أن “ترامب تحرك في الأسابيع الأخيرة نحو مواجهة مع الصين وكوريا الشمالية وإيران، وفي كل حالة فإن للبيت الأبيض أهدافا قصوى، لكن دون استراتيجية واضحة لتحقيقها، وتتذبذب بيانات ترامب بين الخطابة المتشددة والدعوات للدبلوماسية الشخصية، وأحيانا يبدو كأنه يتناقض مع مواقف اتخذها مستشاروه، وكان هذا الأمر في وقت من الأوقات يعطي ترامب قوة ضغط؛ لكنها الآن لا تولد سوى الالتباس”.
ويقول إغناتيوس إنه “بالنظر للمواجهات المختلفة في العالم، يمكن أن ترى توجها مشتركا، لخصوم يبدون مستعدين للمخاطرة في مقاومة مطالب ترامب، ورد فعل ترامب عادة هو مضاعفة الضغط، لكن هذه الديناميكية عادة ما تحمل معها خطر إساءة الحساب”.
ويلفت الكاتب إلى أن “ترامب تبنى في الحرب التجارية مع الصين الرغبة الأمريكية الدائمة للحصول على (فرص متكافئة)، لكنه سعى للحصول على ذلك بأسلوب فظ، من خلال تصعيد التعرفات، وبدا ترامب مقتنعا بأن الصين ستقوم بتقديم تنازلات يمكنه أن يعدها انتصارا، وبدت مثل تلك الصفقة وشيكة هذا الشهر، وقال ترامب يوم الاثنين إنها كانت منتهية بنسبة 95% عندما توقفت القيادات الصينية فجأة”.
ويفيد إغناتيوس بأن “الخبراء الأمريكيين يقدمون نظريتين حول سبب مقاومة الصين لعقد تسوية، النظرية الأولي أن مفاوضي ترامب لم يعدوا بالرفع المباشر للتعرفات المفروضة على المنتوجات الصينية، التي تصل قيمتها إلى 250 مليار دولار، ولا يستطيع الصينيون أن يثقوا بأن الرئيس الأمريكي المزاجي سيلغي تلك التعرفات في النهاية، والنظرية الأخرى هي أن تبجح ترامب أقنع الصينيين بأنه في وضع ضعف وأن بالإمكان الضغط عليه”.
ويعلق الكاتب قائلا: “أيا كان السبب يبدو أن طريقة ترامب في التفاوض هي جزء من المشكلة، ترامب والرئيس شي جين بنغ سيجتمعان الشهر القادم خلال قمة مجموعة العشرين، ربما لتعاد الأمور إلى ما كانت عليه”.
ويجد إغناتيوس أن “المفاوضات النووية مع كوريا الشمالية كانت الأكثر مثارا للاستغراب، وذهب ترامب إلى بيان متبجح لكن غامض حول نزع الأسلحة النووية بعد القمة الأولى مع كيم جونغ أون في سنغافورة، ثم قام مستشاروه في وزارة الخارجية بالعمل على تجهيز خارطة طريق لمفاوضات تفصيلية لتحقيق الهدف، لكن ترامب، الذي لم يصبر بسبب بطء التقدم، دفع نحو اتفاقية استعراضية أكبر في قمة هانوي في شباط/ فبراير”.
ويبين الكاتب أنه “عندما انهارت القمة، حاول ترامب أن يطري على كيم، وصادق علنا على مقاربة التدرج، وربما شعر كيم بمواقف ترامب المتغيرة، وزاد من الضغط باستئناف التجارب على الصواريخ هذا الشهر، وردت أمريكا على ذلك باحتجاز سفينة تابعة لكوريا الشمالية بحجة أنها تحمل بضاعة ممنوعة”.
ويقول إغناتيوس: “في المحصلة فإنه في حالة كل من كوريا الشمالية والصين فإن أسلوب ترامب المعطل تبعاته متناقضة”.
ويذهب الكاتب إلى أن “هذا يوصلنا إلى أخطر المواجهات، اختبار القوة مع إيران، ففي الوقت الذي قام فيه ترامب بتشديد العقوبات اختارت طهران أن تذهب إلى تعطيل مقابل، وكانت إسرائيل وغيرها من الحلفاء في الشرق الأوسط قد حذروا من أن إيران تحضر لعمليات تخريبية أو عمليات عسكرية، وردت أمريكا بإرسال قوة مقاتلة مع حاملة طائرات وقاذفات بي 52”.
وينوه إغناتيوس إلى أنه “عندما أصيبت سفن شحن نفط بالقرب من الإمارات، ربما بسبب لغم إيراني، قالت (نيويورك تايمز) في تقرير لها، بأن الإدارة تخطط لإرسال 120 ألف جندي أمريكي إلى المنطقة، إن استدعى الأمر، لكن كما هو الحال دائما مع ترامب، كانت هناك إشارات مختلطة: قال البيت الأبيض إنه يفكر إن كان سيحيل هذه الحادثة إلى الأمم المتحدة، فيما قال ترامب إنه ينتظر مكالمة من القيادة الإيرانية”.
ويرى الكاتب أن “مقاربة ترامب عندما يسير نحو شفير المفاوضات تبدو عادة كخطوات المقامر، إنه يعمل بناء على حدسه وحظه، بدلا من اتباع استراتيجية محددة، وهو لا يعد البطاقات أو يحسب الاحتمالات بالضبط، إنما يقوم بتطويقها، ويأمل أنه سيستطيع مخادعة اللاعبين الآخرين، إنه يعتمد على الحدس؛ ويقوم بتهديد خصومه ثم يقوم بمدحهم؛ كما أنه يركز على الظهور بمظهر القوي، بدلا من التركيز على الأساسيات”.
ويختم إغناتيوس مقاله بالقول: “كان الفيلسوف أيشايا برلين قد قسم الناس إلى قنافذ، يعرفون شيئا كبيرا واحدا، وثعالب، يعرفون الكثير من الأشياء الصغيرة، وترامب قد يشخر مثل القنفذ، لكن مقاربته المتغيرة للتوصل للصفقات هي أقرب للثعلب -وإن كان ثعلبا غير متأكد- ويبدو أن الحيوانات الأخرى في الغابة قد استنتجت ذلك”.