الجمهورية ـ انطوان فرح
في معرض انتقاداته المعلنة والمبطّنة لأداء الطبقة السياسية، أشار الموفد الفرنسي بيار دوكان الى أنّ بعض هؤلاء يراهن على أعجوبة ما تُنقذ البلد من أزمته، وهذا لن يحصل.
في ما يشبه المحاولة لاستنباط نوعية الاعجوبة التي يتوقعها بعض المسؤولين، قطع دوكان الطريق على أصحاب هذه النظرية من خلال تأكيده انّ الرهان على استخراج الغاز والنفط للانقاذ ليس في محله، لأنّ هذه العملية طويلة وغير مضمونة الايرادات ولا تكفي، حتى في أحسن الأحوال، للإنقاذ.
كذلك استبعد دوكان نظرية انّ لبنان مَحمي ولا يمكن أن يقع لأنّ المجتمع الدولي لن يسمح بذلك، مؤكداً انّ المجتمع الدولي لا يستطيع ان يساعد لبنان اذا لم يساعد نفسه…
لكنّ الايجابية الوحيدة التي أشار اليها الموفد الفرنسي، هي انه لمسَ انّ معظم المسؤولين باتوا مقتنعين بخطورة الأزمة، وبضرورة اتخاذ إجراءات جذرية للخروج منها. لكن ما لم يذكره دوكان، وربما لم يلحظه بعد، هو انّ البحث بين المسؤولين عن معالجات للأزمة لا يتم على أساس سلطة سياسية تناقش المعالجات، بل وفق مفهوم تقسيم الاقتصاد الى محميّات سياسية، وكل طرف سياسي أو رئيس أو زعيم مسؤول عن واحدة من هذه المحميات.
وفي هذا الوضع، يبدو النقاش للانقاذ أشبَه بمفاوضات بين حملة أسهم في شركات، كلّ صاحب شركة يريد ان يحمي شركته على حساب الشركات الأخرى.
وهكذا، اذا كان المطلوب، على سبيل المثال، خفض رواتب موظفي القطاع العام، فإنّ الطرف السياسي الذي يعتبر نفسه وصيّاً من دون سواه على هذا القطاع، هو من يعترض، وفي أحسن الاحوال يفاوض ويشترط فرض ضرائب أو رسوم على القطاع الخاص والمصارف لكي يوافق على خفض رواتب القطاع العام.
واذا كان المطلوب، على سبيل المثال أيضاً، اقتطاع مكاسب من المؤسسة العسكرية، ينبغي التفاوض مع طرف سياسي آخر من دون سواه، وانتظار شروطه على بقية القطاعات لإعطاء الموافقة.
في هذا المناخ من النقاشات، التي تشبه التفاوض السلبي، يصعُب الوصول الى قرارات إنقاذية في حجم الأزمة القائمة، والتي وصلت الى مرحلة بات فيها الدولار مفقوداً في الاسواق، وأصبح سعر السوق السوداء امراً روتينياً.
ولا يمكن تبرير هذا الوضع بما يقوله البعض من انّ سعر صرف العملات لدى الصرّافين في كثير من بلدان العالم يختلف عن السعر الرسمي، كما هو الحال في بلدان الاتحاد الاوروبي حيث يشتري السائح اليورو من سوق الصرافة بأعلى من سعره الرسمي بحوالى 10 في المئة.
في الحالة الاوروبية، هذه سياسة معتمدة ويتم التحكّم بها، وهي تستهدف حصراً السيّاح، لتحقيق مكاسب سياحية اضافية، ولا علاقة لها بالاقتصاد ولا تؤثّر عليه لا من قريب ولا من بعيد. في حين انها في لبنان باتت تؤثر سلباً على قطاعات كثيرة، وهي تهزّ الثقة أكثر مما هي مهزوزة.
واذا كان لا يوجد مؤشر واحد ليس سيئاً، كما قال دوكان، فإنّ الاعجوبة التي قد تحصل من حيث لا يتوقعها أحد، مصدرها الذهب الذي بدأ يتحرّك في الفترة الأخيرة بطريقة تسمح بالاعتقاد انّ سعر المعدن الأصفر في المرحلة المقبلة (من سنة الى سنتين)، قد يتجاوز كل التوقعات، ويسجّل مفاجأة ستكون فعلياً بمثابة أعجوبة.
يمتلك لبنان حاليا نحو 10 ملايين و116 الفاً و572 أونصة ذهب (ما يوازي 286.8 طناً). وهو عضو في نادي كبار مالكي الذهب من الدول، ويَرِد اسمه دائماً في قائمة الدول الأكبر في احتياطي الذهب التي يصدرها دورياً مجلس الذهب العالمي، ويأتي لبنان في المرتبة 16 في العالم من حيث امتلاك الذهب.
لكن ما هي الظروف التي تسمح بالاعتقاد انّ احتمال حصول الاعجوبة وارد، وأنّ سعر الذهب قد يساعد لبنان في أزمته المالية والاقتصادية؟
في الواقع، بدأت تظهر مؤشرات بأنّ الارتباط «غير الرسمي» الذي كان قائماً بين سعر الذهب وسعر النفط بدأ يتفكّك. والسبب الذي سمح بهذا الربط يعود الى مفهوم الملاذ الآمن، إذ كلما زادت المخاطر ارتفع سعر النفط بسبب الخوف من تراجع إنتاجه او تعذّر نقله بين مصدر الانتاج ومصدر الاستهلاك.
في المقابل، كان الذهب يرتفع على اعتبار انه الاستثمار الاكثر أماناً في زمن الحروب والاضطرابات، وكان معروفاً تاريخياً انّ سعر أونصة الذهب يساوي سعر حوالى 14 برميل نفط. هذا السبب لا يزال قائماً اليوم، لكن أضيفت اليه معطيات تسمح بالاعتقاد انّ هذه المعادلة بالنسبة الى السعر، مرشّحة للسقوط، لأسباب عديدة جداً، يمكن ذِكر العناصر الأهم منها:
أولاً – كميات الذهب المنتجة والمتوفرة في العالم محدودة، وكما يقول المستثمر وارن بافت «انّ إجمالي كمية الذهب على سطح الأرض يمكن جمعها في مكعب يبلغ جانبيه حوالى 20 متراً».
ثانياً – انّ بوادر الركود في الاقتصاد العالمي باتت تُقلق المستثمرين، ودفعتهم الى الخروج من الأسهم في اتجاه السندات الحكومية الآمنة. هذه السندات تتراجع اسعار الفوائد عليها، وترتفع أسعارها بعد الإصدار بحيث يصبح المستثمر الذي يشتري سندات في السوق لا يحصل على فوائد تُذكر. مع الاشارة الى انّ بعض السندات باتت تُصدّر بفوائد صفر في المئة، أو حتى سلبية. ومع ذلك يزداد الطلب عليها.
ثالثاً – انّ سياسة التحفيز التي افتتحها الفدرالي الأميركي في العام 2008، عقب الأزمة الاقتصادية العالمية ومن ثم اتّبعها البنك المركزي الاوروبي، زادت من حجم الكتلة النقدية العالمية الى مستويات قياسية. هذا الامر أدّى الى تضخيم حجم المحافظ الاستثمارية الباحثة عن استثمارات مُربحة وآمنة، والتي باتت اليوم «تائهة» بسبب عدم اليقين، وهذا ما يفسّر تَوجّه المستثمرين الى السندات الآمنة، وغير المُغرية لجهة الربحية.
رابعاً – انّ حصة الذهب في مجموع حجم المحافظ الاستثمارية، تراجعت عمّا كانت عليه قبل 10 سنوات بما لا يقل عن 10 في المئة.
خامساً – انّ مجرد عودة التوازن الى توزيع النسب في تنويع الاستثمارات، وحصول الذهب مجدداً على النسبة التي كان يستحوذها في السابق، يعني استثمار أكثر من تريليون دولار في المعدن الاصفر.
وهذا الامر، في حال حصل، كما يعتقد محللون ماليون عالميون في الوقت الحاضر، سيؤدي الى ارتفاع دراماتيكي في أسعار الذهب، ولا شيء يمنع وصول الاونصة الى سقف الـ5 آلاف دولار في غضون سنتين. مع الأخذ في الاعتبار ما يُعرف في الاسواق المالية بمفهوم الهرم النفسي، (يعمل في الاتجاهين صعوداً ونزولاً)، والذي يؤدي الى تهافت مُتسارع للاستثمار في الادوات التي تبدو في مسار تصاعدي، أو للخروج من أدوات تتجه نزولاً. هذا العامل، سيدعم الصعود السريع جداً للذهب.
في النتيجة، إنّ الاحتياطي الذهبي الذي يملكه لبنان سيتحول الى ثروة تنمو من حوالى 15 مليار دولار، كما هي اليوم، الى ما يقارب الـ50 ملياراً. وهذا الامر سيشكل «الاعجوبة» التي لم يتوقعها المسؤولون، ولا حتى دوكان. فلنقم الصلاة من أجل حصول هذه الاعجوبة، لأنّ بقية الحلول تبدو حتى الآن مجرد سراب.