الأخبار ـ فاتن الحاج
الفروض الصيفية همّ يرافق التلامذة و«ينغص» عليهم عطلتهم، رغم إدراكهم بأنها لا تصحح وليست جدية. هي قصاص وعقاب للضعاف والمتميزين على السواء. ومع غياب المؤشرات التربوية على جدواها، باتت دفاتر العطلة أحد المداخيل غير المنظورة في موازنات بعض المدارس
في اعتقاد بعض الأهل أنّ فروض العطلة الصيفية حلّ سحري للرسوب وسد الفجوة التعليمية. وبحسب بعض المعلمين، تنعش هذه الفروض ذاكرة التلميذ وتبقيه على تواصل مع معلوماته. لكنها، بالنسبة إلى معظم الأولاد، شكل من أشكال العقاب والتعذيب النفسي وعبء ينغّص عليهم عطلتهم.
التضاد يكمن في المفردة نفسها: فروض وعطلة. الفروض تعني بالضرورة عملاً إلزامياً، والعطلة وقت يفترض أن يمضيه الطفل في اللعب والتواصل الأسري ونشاطات أخرى مهمة لنموه المعرفي والنفسي. وبحسب تربويين، لا فرق هنا بين متفوّق ومن يعاني من صعوبات تعلّمية. الكل بحاجة إلى أجواء الاسترخاء الصيفية، «إذ لا يمكن مقاصصة التلميذ الراسب بفروض صيفية، وهناك استراتيجيات تعليم كثيرة يمكن اعتمادها تحافظ على استمتاع هؤلاء الأطفال بالصيف، لا سيما أنّ الأنظمة التربوية العالمية تخلّت عن خيار تكرار الدروس وإعادة الصف». أما التلامذة الباقون، فبإمكانهم أن يقرأوا قصصاً يختارون عناوينها بأنفسهم، كما ينصح التربويون، لتحسين مخزونهم اللغوي، وهو يفترض أن يحصل صيفاً وشتاءً على أية حال.
لا قيمة تربوية لدفاتر العطلة
في عملية التعلم تجري الإجابة عن ثلاثة أسئلة: ماذا نتعلم؟ وكيف نتعلم؟ وكم نتعلم؟ وفق الباحثة التربوية سهام أنطون، «الفروض الصيفية المبنية على التمارين التطبيقية تركز على الكمّ، وتخاطب الذاكرة القصيرة، لكون مضمونها لا يتجاوز محاولة ترسيخ معلومات أخذها التلميذ خلال سنته الدراسية، في حين أنّ مخاطبة الذاكرة البعيدة المدى تتطلّب تعزيز مهارات التساؤل والاستقصاء لدى التلميذ، لينتقل معها إلى مرحلة الاستنتاج والتحليل».
وسط منافسة غير مسبوقة بين «الديجيتال» والورق، تستغرب أنطون إصرار المدارس على اعتماد وسائل تقليدية وغير محفّزة، «يعني إذا تلميذ ما اشتغل بالصف ويحتاج إلى معالجة بعض النقاط، هل نذهب إلى التذكّر، آخر هدف في سلم الأولويات بالتربية والتعليم؟». ما هو البديل؟ تجيب: «القراءة يمكن أن تدعم جوانب التحليل والفهم وتثبّت لدى التلميذ مهارات اللغة والتعبير. في دول العالم، يبلغ معدل القراءة لدى الأطفال 4 إلى 5 ساعات في الأسبوع. أما في لبنان، فالنتائج فاضحة والمعدل لا يتعدى الدقائق».
ربح غير منظور
إذا سلمنا جدلاً بأنّ «دعم الصيف» لا يكون على شكل دفتر تمارين تطبيقية لمراجعة مفاهيم ومبادئ أساسية يُفترض اكتسابها خلال العام الدراسي، فإنّ الأمر غير بريء من الأهداف التجارية. الفروض الصيفية باتت أحد المداخيل غير المنظورة في القسط المدرسي، تماماً مثل الكتب والقرطاسية والنقل والزي المدرسي والأنشطة والكافيتريا وغيرها. بعض هذه الفروض يأخذ شكل رزمة أوراق مطبوعة تحتوي نصوصاً وأسئلة في اللغة العربية مثلاً، تعدّها بعض المدارس وتفرض بيعها لجميع التلامذة، بـ 15 ألف ليرة للرزمة الواحدة (30 ورقة بالحد الأقصى)! فيما بعض الفروض عبارة عن كتيبات تصدر عن دور نشر معينة، ومقابل مبالغ تصل أحياناً إلى 50 دولاراً للتلميذ الواحد.
وتوضح منسقة برنامج الحلقة الابتدائية في إحدى المدارس بأنّ إدارة المدرسة تطلب منهم، كمسؤولين أكاديميين، اختيار كتب معينة، من دون النظر ما إذا كانت هذه الكتب مبرمجة لإعطاء طاقة إيجابية للتلميذ أم لا. وفي أغلب الأحيان، «لا مكان للتعلم التميزي في الفروض التي نختارها والتي لا تراعي أعمار التلامذة ومستوى تفكيرهم والفروقات الفردية بينهم، إذ كيف نعطي الأسئلة والتمارين نفسها للمتميزين والضعاف؟».
الفروض قصاص للأهل
في المقابل، ينقسم الأهالي بين من يرى الفروض ضرورية لتذكير التلميذ بالمعلومات باستمرار وكي لا ينقطع نهائياً عن الدرس، وبين من يرفضها بالمطلق. ويشكو البعض من عدم تفاعل أولاده معها بجدية «لأنهم يعرفون أنها لا تصحح، وهذا هو الأسوأ كأن المدرسة تقول للتلميذ فيك تزعبر وفينا نكذب وفيك ما تصدقنا»، على حد تعبير أحد الآباء. ويبدو لافتاً ما يقوله آخرون لجهة أن الفروض الصيفية هي قصاص للأهل «لأنن هني بيعملوها وبتطلع براسن». ويميل البعض إلى أن تقترح إدارة المدرسة على أبنائهم عناوين لقصص هادفة وتربوية يقرأونها في الصيف ويجرون حولها تقارير «book report»، شرط أن تجري مناقشتها مع بداية العام الدراسي المقبل للتأكيد على جدية العمل. لكن الأهالي الذين يرفضون مبدأ الفروض الصيفية والشتوية على السواء يشجعون على القراءة لذاتها، لا أن يكون الكتاب مادة للنقاش في ما بعد أو جزءاً من العلامة.
بعض المعلمين يدافعون عن نمط جديد من الفروض الصيفية بدأ يعتمده عدد من المدارس ولا يشبه الفروض المنزلية خلال العام الدراسي، وهو عبارة عن أحجيات رياضية ولغوية وقراءة قصص ينجزها التلميذ عبر هاتفه الذكي أو الآيباد، بحسب النظام المتّبع في المدرسة، وبالتالي هي أقرب إلى نشاط فكري ترفيهي ينشّط ذاكرته ويقوّي معلوماته، عن طريق اللعب. إلا أنّ معلمين آخرين يدركون أنّ معظم إدارات المدارس لا تختار الفروض من باب أنها تهتم بإعداد تلميذ يسائل وينتقد، وخصوصاً حين يكون سقف مخرجات التعليم لديها هو تسجيل معدلات مرتفعة في الامتحانات الرسمية!