استقبل المصريون خبر تبرئة حبيب العادلي، آخر وزير داخلية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك من تهمة اختلاس مليارين و400 مليون جنيه من أموال الوزارة، بمزيج من الحسرة والسخرية.
وأظهرت تعليقات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي المرارة والاستغراب من الحكم القضائي، الذي وضع لافتة النهاية على محاكمة الوزير، الذي كانت طريقة إدارته لوزارته أحد أهم أسباب اندلاع ثورة يناير 2011، وكانت إقالته هي المطلب الرئيس للثوار قبل أن تتطور المطالب إلى إسقاط النظام.
ولم تكن البراءة وحدها هي الصدمة التي جاءت بعد 8 سنوات من اندلاع الثورة؛ بل كانت قيمة الغرامة أكثر إثارة للدهشة والسخرية في الوقت نفسه.
وقضت محكمة جنايات الجيزة برئاسة المستشار معتز خفاجي، الذي أصدر أحكاماً على المئات من رافضي الانقلاب والمعارضين للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بالإعدام والمؤبد، بتغريم “العادلي” و8 أشخاص آخرين مبلغ 500 جنيه (نحو 29 دولاراً)، وهي غرامة يمكن أن يدفع أضعافها أي مخالف لقوانين السير في شوارع القاهرة.
وعلق أحد الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي على تلك الغرامة بقوله، “إنها لا تتجاوز سعر علبتين سجاير إنجليزي”، وأنها لم ترق لغرامة “حرامي الغسيل”! في حين طالب آخر ساخراً بأن يتم تقسيط الغرامة، كما قال ثالث إنه يتوقع “أن يرفع الوزير الأسبق دعوى قضائية على الشعب المصري مطالباً بالتعويض عن فترة سجنه والاتهامات التي برأته منها المحكمة!”.
وجاءت براءة العادلي في إعادة محاكمته عن جريمة إهدار أموال وزارة الداخلية، والتي كانت محكمة أخرى عاقبته عليها، في أبريل 2017، بالسجن 7 سنوات وإعادة مبلغ 195 مليون جنيه مصري وتغريمه مبلغاً مماثلاً، قبل أن تلغي محكمة النقض الحكم في يناير 2018، وتقرر محاكمته أمام محكمة أخرى.
ورغم ذلك قلل بعض المراقبين من أهمية تلك البراءة، التي اعتبروها غير ذات جدوى؛ لأن التهمة التي يحاكم عنها حبيب العادلي ليست ضمن الجرائم الحقيقية التي ارتكبها، والتي كان على رأسها أنه قام بتحويل أقسام الشرطة إلى “سلخانات تعذيب”، وكان أداة السلطة لتزوير انتخابات مجلس الشعب 2010 وما قبلها، وأمر الشرطة بالانسحاب بعد الثورة تمهيداً لإحداث فراغ أمني وذعر لتقويض الثورة، كما أشرف على نشر حالة من الذعر عبر الإشاعات والأخبار، بالإضافة إلى تدبير تفجير كنيسة القديسين عام 2011، على حد تعبيرهم.
اللافت أن حبيب العادلي حصل على البراءة رغم ملف متخم بالمخالفات قدمته الأجهزة الرقابية لجهاز الكسب غير المشروع، أثبت أن ثروته قيمتها 18 مليار جنيه و42 قصراً!
ووفقاً للتقرير الذي قدمته الأجهزة الرقابية، ونشرته “جريدة الأهرام الحكومية” بعد الثورة، فإنه يملك “9 فلل و7 شقق ومزرعتين على مساحة 70 فداناً، ومساحات شاسعة من الأراضي في العين السخنة، و51 قطعة أرض موزعة في ثلاث محافظات، و4 سيارات مرسيدس، بالإضافة إلى امتلاكه وأسرته 18 مليار جنيه، و42 قصراً وفيلا وأسطول سيارات فارهة، وعدداً كبيراً من الشقق السكنية بمساكن الضباط بمختلف المحافظات”.
من جانبه اعتبر الكاتب الصحفي محمد منير أن براءة العادلي أمر طبيعي في ظل ما أسماه بـ”الثورة المضادة” و”الردة الثورية”، وأن الحكم صدر ببراءة “رجال النظام” لأن العادلي ورفاقه ليسوا رجال نظام مبارك وحده؛ بل رجال النظام بشكل عام.
ولفت منير، إلى أن “هذا الحكم (ليس نهائياً)؛ فحين يتم استيعاب هذه المرحلة واستكمال مراحل الثورة الأولى بعد الاستفادة من الخبرات السابقة، سيتم التخلص من كل عوامل الردة التي حدثت، ومنها هذه الأحكام القضائية التي برأت جميع المجرمين ودانت الثوار وحبستهم”.
وتوقع منير أن تتم “إعادة محاكمة تلك الرموز التي أجرمت في حق مصر للأحياء منهم، في حين ستتم محاكمات للتاريخ ضد أمواتهم، عبر محاكمات شعبية ثورية وليست وفقاً للقانون الذي وضعته تلك الرموز”.
براءة وزير الداخلية الأكثر شراسة في التاريخ المصري الحديث، تأتي استكمالاً للمسلسل الذي بدأ عرضه قبل سنوات تحت عنوان “عودوا إلى مقاعدكم”، وهي الجملة التي وجهها المستشار محمود كامل الرشيدي للمتهمين في قضية “القرن” الذين كان على رأسهم حبيب العادلي أيضاً إلى جوار حسني مبارك وقيادات دولته، والتي ربما عبرت بشكل دقيق عن توجه تلك المحاكمات نحو أركان النظام السابق؛ حيث عادوا جميعاً إلى مقاعدهم في قاعة المحكمة ثم في منازلهم آمنين دون أن يحكم على أحد منهم بالسجن.
كما جاءت البراءة بعد إلغاء إدانة “العادلي” نفسه من تهم سابقة بالتربح وغسل الأموال، ونقض كل الأحكام التي صدرت ضد “مبارك” في قضايا قتل المتظاهرين والقصور الرئاسية وتصدير الغاز المصري إلى “إسرائيل”، وبراءة نجليه “علاء وجمال” من تهم التربح والتلاعب في البورصة والكسب غير المشروع.
أما رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف فتم نقض الحكم ضده في قضية “اللوحات المعدنية”، وعاد للتدريس بجامعة القاهرة، كما استعاد الدكتور أحمد فتحي سرور مكتبه بكلية الحقوق بنفس الجامعة، بعد حصوله على البراءة من تهم التربح والحصول على كسب غير مشروع من وظيفته وقتل المتظاهرين المعروفة إعلامياً بـ”موقعة الجمل”، وهي نفس التهم التي برأ القضاء منها وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف.
كما تمت تبرئة سامح فهمي، وزير البترول والثروة المعدنية الأسبق، من تهم تصدير الغاز المصري لـ”إسرائيل” بأسعار زهيدة، وتصالح الرئيس الأسبق لديوان رئيس الجمهورية، زكريا عزمي، في قضية “هدايا الأهرام” وخرج من قضية الكسب غير المشروع بكفالة مالية 200 ألف جنيه.
ولم يكن إمبراطور الحديد وأمين السياسات بالحزب الوطني المنحل أحمد عز أقل حظاً منهم؛ حيث خرج بريئاً من تهم الاحتكار والفساد بعد أن وصلت الأحكام التي صدرت ضده إلى 60 عاماً.
وأخلي سبيل محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان الأسبق، من قضايا التربح والإضرار العمدي بالمال العام، وأصبح حسين سالم مواطناً صالحاً بعد أن كانت قائمة اتهاماته تقوده للحبس حتى الموت.