لم ينجح الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان مجدداً في مهمته الأخيرة في لبنان، فغادره أمس من دون أن تثمر جهوده إحداث خرق في جدار أزمة الانتخابات الرئاسية المستمرة منذ عام ونصف العام. فهل من تداعيات للفشل الجديد على المستوى الفرنسي؟ تجيب مصادر ديبلوماسية عبر “نداء الوطن” على هذا السؤال بالآتي:
1- “لا أحد كان يتوقع خرقاً نتيجة زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي الأخيرة. فالمواقف ما زالت على حالها، لكن زيارة لودريان كانت في إطار المساعي لحل القضايا الكبرى والنزاعات، توصلاً الى توقيت لدفع الحل الى الأمام. وما زيارة لودريان إلا جزء من سعي دولي حثيث توصلاً الى مخرج. ولودريان قال إنه أتى كي يسرّع الوصول الى حل كجزء لا يتجزأ من عمل اللجنة الخماسية.
2- أتى توقيت زيارة لودريان، كما قال شخصياً، من أجل أن يرفع تقريره قبل لقاء الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي ماكرون في فرنسا في 6 حزيران المقبل لمناسبة الذكرى الثمانين لإنزال النورماندي. وسيكون تقرير لودريان حاضراً في صوغ الموقف المشترك الذي سيصدر عن القمة. ومن الاحتمالات الواردة، إصدار إعلان بأنّ كل من لا يريد ان يتعاون في ملف الرئاسة اللبنانية يستدعي عقوبات في حقه. وهذا ما يعيد الى الأذهان لقاء الرئيسين جورج بوش الابن وجاك شيراك عام 2004، الذي أسفر عن القرار 1559 ما أدى الى انسحاب الجيش السوري من لبنان في العام التالي. وقد يصدر موقف تاريخي عن القمة المرتقبة.
3- أصبح ظهر الممانعة الى الحائط في الاستحقاق الرئاسي. وما بين بيان اللجنة الخماسية الأخير وحركة لودريان، صار واضحاً من هو الفريق الذي يعطّل آليات التشاور ويصرّ على حوار غير دستوري. كما صار واضحاً من هو الفريق الذي يرفض الجلسة النيابية المفتوحة بدورات متتالية ويتمسك بخياره الرئاسي ويرفض البحث في الخيار الثالث. إذاً، هناك تطور دولي على هذا المستوى انطلاقاً من قناعة “الخماسية” ونتائج زيارة لودريان الأخيرة بأن الفريق المعطّل للاستحقاق الرئاسي هو الفريق الممانع الذي يقول شيئاً في الغرف المغلقة ويمارس في الواقع شيئاً آخر”.
وفي سياق متصل، قال مصدر ديبلوماسي فرنسي لوكالة “فرانس برس” إنّ لودريان،”لم يحقق أي خرق يذكر” في الملف الرئاسي.
وأضاف المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته أنّ “كل فريق متشبّث بمواقفه”، ما دفع لودريان الى تحذير المسؤولين الذين التقاهم من أن “وجود لبنان السياسي نفسه في خطر”، مع استمرار الشرخ في البلاد. وكان حذّر خلال لقاءاته في بيروت من “مخاطر إطالة أمد الأزمة” وسط السياق الإقليمي المتوتر. وشدّد على “الضرورة الملحة لانتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير”.
وفي باريس، قال المتحدّث باسم الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان إنّ وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه التقى أول من أمس نظيره اللبناني عبدالله بو حبيب. وذكّر سيجورنيه “بالتزام فرنسا دعم سيادة لبنان واستقراره”، و”بالجهود التي تبذلها للمساهمة في خفض التصعيد، ولا سيما عبر التواصل مع كل الأطراف المؤيدة لحل ديبلوماسي”. كما قال لوموان. وأضاف أنّ الوزيرين تطرقا أيضاً إلى زيارة لودريان للبنان في وقت “هناك حاجة ملحة لإيجاد حلّ للأزمة المؤسساتية، وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قادرة على الاستجابة لتطلعات اللبنانيين وحاجاتهم”.
وحول مقترحات فرنسا لخفض التصعيد بين اسرائيل ولبنان، قال لوموان إنه “كان هناك رد إيجابي نوعاً ما” من الجانب اللبناني، لكن اسرائيل لم تردّ بعد رسمياً على باريس.
في كانون الثاني، حملت باريس إلى الطرفين مبادرة لنزع فتيل التصعيد الحدودي خشية توسّعه، من دون إحراز تقدّم. وتمّ مطلع أيار تعديلها بطلب من لبنان الذي رأى أن النسخة الأولى تتماهى والطروحات الإسرائيلية.
وتقترح المبادرة المعدّلة وقف الأعمال العدائية من الطرفين، وانسحاب مقاتلي “حزب الله” وحلفائه مسافة عشرة كيلومترات من الحدود، وفق مسؤولين لبنانيين.
وبحسب مراقبين، فإنّ الإعلان الفرنسي عن “رد إيجابي” من لبنان على مبادرة باريس أتى في غمرة موقف سلبي لفريق الممانعة من مبادرة لودريان. ولا يمكن أن يمر هذا الردّ الا بموافقة الثنائي الشيعي.
وفي المقابل، قال نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم مساءً “لا ربط للاستحقاق الرئاسي بما يجري على جبهة الجنوب”. وأضاف: “إذا تمَّ الحوار برئاسة رئيس المجلس النيابي، فنحن حاضرون أن نستمر فيه ولو أنجز الاستحقاق الرئاسي خلال أيام”