جاء في “الراي” الكويتية:
يصحّ، من مَدخل التماثُل، إضافةُ كلمة الى الشعار الشهير الذي أطلقه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد قبل نحو نصف قرن مجسّداً فيه عمق العلاقات اللبنانية – السورية، ليصبح «شعب (فقير) واحد في بلدين».
هي الخلاصةُ المُطابِقة لتحديثاتِ تقارير الفقر الصادرة عن البنك الدولي، والتي ترصد، سنداً الى مؤشرات اقتصادية ومالية معزَّزة بجولاتِ الاستطلاعات الميدانية، تطوراتِ الوضعين الاجتماعي والمعيشي في البلدين الجارين سورية ولبنان، وتداعيات ما يعانيانه من أزماتٍ منفصلة ومترابطة، فضلاً عن ضغوط النزوح التي تعدّت استضافة مليونيْ سوري في «بلاد الأرز».
في الأحدث، وبحصيلة مسح أُجري على المستوى الوطني في إطار برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية، يَعرض قسم خاص من تقرير البنك الدولي لمحةً عن النتائج الرئيسية لتقرير «رفاه الأسر السورية» في موطنها، كاشفاً عن اتساع هائل في أعداد المصنَّفين ضمن خانة الفقر، بنسبةٍ بلغت 69 في المئة من السكان حتى نهاية 2022 أي نحو 14.5 مليون سوري.
وعلى الرغم من عدم وجود الفقر المدقع فعلياً قبل اندلاع الصراع، لكنه طال أكثر من واحد من كل أربعة سوريين، أي ما يماثل 25 في المئة من عموم المواطنين، وفق المسح الذي طال مناطق سيطرة النظام والمعارضة على السواء، مع ترجيح حصول ارتفاع إضافي وأكثر حدة وشدة بسبب الآثار المدمّرة لزلزال شباط 2023.
ووفق التقرير، فإن للفقر في سورية دلالة مكانية قوية، فأكثر من 50 في المئة من الفئات الأشدّ فقراً يعيشون في ثلاث محافظات فقط، وهي حلب وحماة ودير الزور، بينما تسجل المحافظات في الجزء الشمالي الشرقي من سورية أعلى معدل لانتشار الفقر. أما الأسر التي تعيلها نساء والأسر النازحة داخلياً، فهي الأكثر عرضةً لمخاطر الفقر.
ويشدد التقرير أيضاً على أن التحويلات المالية تمثّل شريان حياة بالغ الأهمية للأسر السورية. ويرتبط إرسال التحويلات من الخارج بانخفاض معدلات الفقر المدقع على نحو يقدر بـ 12 نقطة مئوية وانخفاضٍ في معدلات الفقر يقدر بـ 8 نقاط مئوية. لينوّه في المقابل، إلى عدة عوامل خارجية، لا سيما الأزمة المالية في لبنان عام 2019، وجائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، بوصْفها ساهمت في زيادة تراجع رفاه الأسر السورية في الأعوام الأخيرة.
أما في الخلفية المؤثّرة لاحقاً على قياسات مؤشّر الفقر عينه، يتوقع عدد ربيع 2024 من تقرير المرصد الاقتصادي لسورية، والصادر حديثاً عن البنك الدولي، أن يستمر الانكماش الاقتصادي، الذي طال أمده. ومع تعرض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لحالة غير مسبوقة من عدم اليقين، فمن المتوقع أن ينكمش بنسبة 1.5 في المئة هذا العام، ليعزز التراجع الذي بلغ 1.2 في المئة في 2023.
ومن المتوقع، وفق الرصد الذي تلقت «الراي» نسخة منه، أن يبقى الاستهلاك الخاص، وهو عجلة النمو الرئيسية، في تَراجُعٍ مع استمرار تآكل القوة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار. كما يتوقع أن يستمر ضعف الاستثمار الخاص في ظل عدم استقرار الوضع الأمني والضبابية في المشهد الاقتصادي وعلى مستوى السياسات.
كما يُرتقب أن يبقى التضخم مرتفعاً في 2024 بسبب الآثار الناجمة عن انخفاض قيمة العملة، فضلاً عن العجز المستمرّ في أرصدة العملات الأجنبية، واحتمال إجراء مزيد من الخفض في دعم الغذاء والوقود (المحروقات). وتشير موازنة عام 2024 إلى استمرار خفض الدعم للسلع الأساسية.
وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 2023، انخفضت قيمة الليرة السورية انخفاضاً كبيراً بنسبة 141 في المئة مقابل الدولار الأميركي، ما انعكس تلقائياً على تضخم أسعار المستهلكين بارتفاعٍ بلغت نسبته 93 في المئة، وتَفاقَمَ هذا الوضع أكثر بسبب خفض الدعم الذي تقدمه الحكومة. ومع تباطؤ الاقتصاد، لاتزال إيرادات المالية العامة تسجل تراجعاً. واستجابةً لذلك، خفضت السلطات الإنفاق بشكل أكبر، ولا سيما في ما يتعلق بالإنفاق الرأسمالي، مع الضبط الشديد لبرامج الدعم.
وفي تكريس وحدة الفقر المتداخل في البلدين و«الشعب الواحد»، رصد البنك الدولي ارتفاع معدل الفقر في لبنان أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي، ليصل إلى 44 في المئة من مجموع السكان.
ولم ترتفع نسبة المواطنين اللبنانيين الفقراء ثلاثة أضعاف مقارنةً بعقد مضى لتصل إلى 33 في المئة فحسب، بل ازدادت حدة فقرهم مع ارتفاع فجوة الفقر من 3 في المئة في 2012 إلى 9.4 في المئة في عام 2022. وفي الوقت نفسه، يبدو أن عدم المساواة في الدخل تَفاقَمَ بين اللبنانيين.
واستناداً إلى دراسة استقصائية للأسر أُجريت أخيراً وشملت محافظات عكار وبيروت والبقاع وشمال لبنان وغالبية جبل لبنان، خلص التقرير إلى أن واحداً من كل ثلاثة لبنانيين في هذه المناطق طاله الفقر في 2022، ما يسلّط الضوءَ على ضرورةِ تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وإيجاد فرص العمل للمساعدة في التخفيف من حدة الفقر ومعالجة أوجه عدم المساواة المتنامية.
وفي دلالاتٍ أعمق تعبيراً، يخلص التقرير أيضاً إلى أن الأسر السورية التي تعيش في لبنان ويزيد عددها عن مليوني نسمة، تضرّرت بشدة جراء الأزمة. حيث يعيش نحو 9 من كل 10 سوريين تحت خط الفقر. وفي الوقت نفسه، يكشف التقرير أن 45 في المئة من الأسر السورية النازحة تستهلك معدلات من المواد الغذائية أقلّ من المعدلات المقبولة.
وتعمل غالبية السوريين في سنّ العمل في وظائف منخفضة الأجر وأقلّ استقراراً في القطاع غير الرسمي، ما يساهم في إفقارهم وانعدام الأمن الغذائي. وعلى الرغم من أن أسواق العمل المجزأة ساهمت إلى حد كبير في تخفيف أَثَر الزيادة السكانية الناجمة عن تدفق اللاجئين السوريين على نواتج سوق العمل للبنانيين، فقد أدت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ خريف العام 2019 إلى زيادة قبول العمالة اللبنانية بوظائف تتطلب مهارات.
ويرجع هذا التحول جزئياً إلى التراجع في توافر الوظائف الأعلى أجراً التي تتطلب مهارات أفضل.
وبسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي طال أمدها ودخلتْ عامها الخامس أُجبرت الأُسر على اعتماد مجموعة متنوعة من إستراتيجيات التكيّف، بما في ذلك خفض معدل استهلاك الغذاء والنفقات غير الغذائية، فضلاً عن خفض النفقات الصحية، مع ما قد يترتب عليه من عواقب وخيمة على المدى الطويل.
ومع النمو السريع للاقتصاد النقدي المُدَوْلَر، تجد الأُسَر اللبنانية التي تحقق دخلاً بالدولار الأميركي نفسها قادرة على المحافظة على قدرتها الشرائية، فيما الأسر التي لا تستطيع الحصول على الدولار تجد نفسها معرّضة بشكل متزايد لمَخاطر تَصاعُد وتيرة التضخم.