اشار النائب الثالث لحاكم مصرف لبنان سليم شاهين، الى ان “فشلت الحكومات المتعاقبة ومجلس النواب خلال السنوات الماضية بالتوافق على قانون ضبط رأس المال (كابيتال كونترول)، واعتمدوا على المصرف المركزي وتعاميمه لتحديد سقوف السحوبات من الحسابات المصرفية. من جهتها، تصرّ الهيئات الاقتصادية بشكل متواصل على أهمية حريّة تحرّك رؤوس الاموال لحماية الاقتصاد اللبناني من التدهور، خصوصاً لجهة تفعيل القطاع الخاص، وتشجيع المبادرات الفردية، وحماية العمالة، لاسيما في غياب الاصلاحات الاقتصادية والمالية”.
واكد في حديث لصحيفة “الجمهورية”، اننا “نصرّ كأعضاء مجلس مركزي لمصرف لبنان منذ تعييننا في العام 2020، على مبدأ استقلالية المصرف المركزي في سياسته النقدية إزاء السياسة المالية المعتمدة من الحكومة. وبالتالي أكّدنا على ضرورة التوقف عن تمويل عجز مالية الدولة، والانغماس في تمويل دينها العام وسياسات الدعم والهدر للاحتياطات بالعملات الاجنبية، لأنّه يتعارض مع تثبيت سعر الصرف والحفاظ على احتياطيات المصرف المركزي… واعتمدنا بذلك على قانون النقد والتسليف من جهة، وعلى العلم النقدي والادبيات الاقتصادية التي تحدّد الدور الأساسي للمصارف المركزية، باعتماد السياسات التي تهدف للحفاظ على استقرار الاسعار وسلامة النقد لتأمين نمو اقتصادي مستدام من جهة أخرى… وبغياب الاصلاحات وانعدام الثقة بالمؤسسات، تبقى إمكانية عملنا كسلطة نقدية محدودة، وتتعلّق بالمجمل بالتوقف عن إقراض الدولة وحسن ادارة حجم الكتلة النقدية وانعكاساتها على سعر الصرف”,
واوضح ان “إذا اتفقنا كمجتمع متكامل بكل تبايناته السياسية والعلمية على حرّية حركة رأس المال وضرورة استقلالية السياسات النقدية، فمن الضروري علمياً معرفة أنّ هذين العاملين لا يمكن أن يحصلا بالتزامن مع سياسة تثبيت سعر الصرف من قِبل المصرف المركزي. وهذا ما أكّدته النظريات العلمية، لا سيما منها ما يُعرف بالثالوث المستحيل، او “Impossible Trinity” منذ “مونديل” و”فلمينغ” في 1962″، مشيرا الى ان “مع العلم، أنّ تثبيت سعر الصرف يسمح بالحدّ من التضخم والتأثيرات السلبية الناتجة من تغيّرات سعر الصرف على القدرة الشرائية والاقتصاد المحلي، فإنّ هذا الخيار بغياب الاصلاحات هو عملية مكلفة على احتياطات المصرف المركزي واموال المودعين، كما أثبتت التجربة اللبنانية خلال السنوات السابقة”.
كما لفت الى ان “باختصار، عمد لبنان منذ عام 1993 الى تثبيت سعر الصرف في اقتصاد مدولر مع حرّية حركة رؤوس الأموال، الأمر الذي أثّر سلباً على استقلالية السياسة النقدية. وخلال هذه الفترة، لجأت الحكومات الى المصرف المركزي الذي انغمس بطباعة النقد وإعطاء سلفات الخزينة و/او الاكتتاب المتواصل بسندات الخزينة بالليرة اللبنانية كما بالدولار الأميركي وصولاً الى الهندسات المالية، مع تدخّل متواصل في سوق القطع للحفاظ على سعر صرف وهمي. وازداد تدخّل المصرف المركزي مع تراكم العجز في ميزان المدفوعات منذ عام 2011، ومن ثم مع سياسة الدعم منذ انفجار الأزمة عام 2019، مما أدّى الى استنزاف احتياطي الدولارات في البنك المركزي وتجريده من وظيفته الاساسية كما من أدوات الدفاع عن هدفه”.