ضمن فعاليات المؤتمر الإعلامي الأول تحت عنوان “دور وسائل الإعلام اللبنانية في بناء الخطاب السياسي الإيجابي” والذي ينظمه المكتب الإعلامي المركزي في حركة أمل، استكملت الجلسة الثالثة من اليوم الثاني والأخير والتي تتمحور حول “ثقافة الحوار والتحليل السياسي” بإدارة الإعلامي مالك الشريف.
استُهلت الجلسة بكلمة للوزير الأسبق طارق متري أكد فيها على أنه “نحن لم نعد نعرف ما الفرق بين الكاتب والصحافي والمحلل السياسي وذلك يعود الى ان مجال السياسة واسع اكثر من مجالات الحياة الاخرى”، مشيرا إلى أنه شرط الحوار الاول هو ان نُفهم بعضنا بعضاً قبل ان نحاول ان نقنع بعضنا بعضاً، وإن استقلال العمل السياسي عن العمل الاعلامي ضروري لكي يؤدي كل منهما دوره بأريحية،لافتا إلى أن أهل الاعلام مهما كانت مواقفهم يسعون للبحث عن الحقيقة.
بدوره أشار النائب محمد خواجة إلى أنه “رغم تكاثر الدعوات إلى الحوار ورفض النزاعات بالأساليب السلمية في العقود الثلاثة الماضية، إلا أن مفاعيلها بقيت محدودة التأثير، لا سيما في علاقات الدول، نظراً لتصادمها مع فلسفية صراع الحضارات وتنازع الثقافات”.
كما لفت إلى “ان ألف باء ثقافة الحوار قبول الاخر بما هو عليه من اختلاف سياسي او ديني او عرقي، واحترام التعددية التي غدت سمة من سمات تشكل المجتمعات في عصرنا، بحيث من النادر ان نجد مجتمعاً مكوناً من صفاء اللون الواحد لاستمرار ديمومة اي مجتمع، وضمان استقراره وتماسكه، يجب تفهم خصوصيات تعددية مكوناته كعنصر غنى وتنوع حضاري، وتعزيز قيم التسامح والتواصل وتجريم، والتمييز بين المواطنين”.
وختم قائلا: “إن ترسيخ ثقافة الحوار، لا يتم بين عشية وضحاها؛ فهي عملية تراكمية تحتاج الجهد والصبر، ولا يمكن تعميم مفاهيمها وأدبياتها، إلا بتعاون المنظومات المجتمعية كافة، بدءًا من الأسرة والمؤسسات التعليمية وصولا إلى الوسائل الإعلامية والجمعيات والأحزاب والنخب الفكرية والثقافية، فهؤلاء صناع الرأي العام، وبالأخص الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب ووسائل التواصل الاجتماعي، نظرًا لتأثيرها الكبير على جموع المواطنين، وتوجب المصلحة الوطنية على وسائل الإعلام عدم تشجيع البرامج المثيرة للنعرات والعصبيات، أو الترويج للدعوات والأفكار تمس الاستقرار والسلم الأهلي”.
وأكد الإعلامي جورج بكاسيني في مداخلة له على أن “البديل عن ثقافة الحوار هو رفض الآخر، أي ثقافه الداعشية السياسية”التي تفشّت للأسف في مجتمعنا وفي كل الطوائف، نرفض الحوار في الداخل ثم نرتضي به في الخارج، تماماً كما حصل في السابق، أو كما يمكن أن يحصل في المستقبل. نبني تحليلنا السياسي على مقاس تمنياتنا . نرفع من أسهم هذا المرشح الرئاسي أو نُسقِط مرشحاً آخر من كل الحسابات، والفراغ هو المرشح الأوفر حظّاً. لم يَعُد الرأي العام قادراً على تمييز الخطأ من الصواب. أصبح رهينةً بين أيدي بعض “المحلّلين” المزعومين وبعض الإعلام المزعوم، ولعلّ أوضح مثالٍ على ذلك ما يشهده اللبنانيون في حقبة الفراغ المتواصل منذ أكثر من سبعة شهور.
وقال: “خلاصة القول أن الحوار لازَمَ الحياة السياسية اللبنانية في كل المراحل، وخصوصاَ في ذروة الحرب الأهلية (من جنيف ولوزان وصولاً الى حوارات سباق الخيل) فكيف يمكن أن يكون مرفوضاً في زمن السلم، كما أن الحوار كان حاجةً وضرورة، في بعض الأحيان، عندما كان هناك أكثرية وأقليّة في مجلس النواب”، سائلا كم بالحري في مجلس لا أكثرية فيه لأحد وهو محكوم بتعادل موصوف في ميزان القوى؟، مع ميزان القوى المشار إليه كيف يمكن إنقاذ الجمهورية من أزماتها المستدامة من دون حوار؟، وكيف يمكن معالجة الإنهيار الإقتصادي والمالي من دون حوار؟ وكيف يمكن استعادة دور لبنان المفقود من دون حوار؟ مع العلم أن التعريف الأول لدور مجلس النواب اللبناني لأب الدستور ميشال شيحا ، أنه مساحة حوار بين العائلات الروحية اللبنانية.
وأضاف “أما التحليل السياسي الذي غابت ثقافة الحوار عن غالبية نصوصه، فانتقل من مرحلة “الرأي والرأي الآخر” الى مرحلة “الرأي وتخوين الآخر”، كما لو أنه أصبح جزءاً من عدّة شغل السياسة ، أو واحداً من وسائلها الإقصائية في بعض الأحيان، في زمن تتسابق فيه دول الإقليم على “قبول الآخر” وتصفير المشاكل بين بعضها البعض، باستثناء لبنان الذي تغرق مكوّناته أكثر وأكثر في ثقافة الصراعات والكيديات التي قادتنا وما زالت تقودنا الى قعر الهاوية.. حيث البكاء وصريف الأسنان”.
وأوضح الدكتور طلال عتريسي أن لاعلام هو سلاح حقيقي يستخدم قبل الحرب، وأثناء الحرب وبعد الحرب، يستخدم في الحرب الخشنة والحرب الناعمة، ولا نستطيع ان ننكر ان الاعلام كان له دور كبير في انهيار الاتحاد السوفياتي، هو سلاح معقّد بسبب تنوع ادواته خاصة وسائل التواصل الاجتماعي الذي لا يخضع للضوابط والقيود، ومع عولمة التواصل الاجتماعي هناك من يستطيع ان يقطع هذه الوسائل فهناك من يقدر على قطعها.
واستشهد بقول الإمام موسى الصدر بأن الطوائف عمة في لبنان وهو هدف لم يدرك عند الصحاب الرؤى السياسية، والعيش بالتنوع هو فعل حضاري بالحقيقة وعلينا محاورة الآخر ومقابلته بدون شروط هو حضارة.
واعتبرت مستشارة الرئيس الأسبق حسان دياب أن كلنا يعلم أن السلطةَ اللبنانية قائمة على تقاسم طائفيّ، فالأقطاب متمسكة بمواقفها التي تراها مناسبة وتستطيع من خلالها شد عصب مناصريها وطوائفها ومذاهبها إلى خض البلد في كل فرصة خصوصا أن المواطن اللبناني مستعد لكل شيئ في سبيل زعيمه.
وأكدت أن “نحن بلد التعايش ولا ننكر ذلك إلا أن الزعيم هو رمز لا يمكن المساس به لأنه يمثل الإنتماء الطائفي وليس العقائدي والفكري لأبناء طائفته والذين ينضوون تحت لوائه، ولكن للأسف الشديد معظم المناصرين الاحزاب او المتحزبين لديهم انتماء عاطفي وليس عقائدي مما يؤدي الى ضعف الحزب وضموره لانه ولو كان عندهم انتماء عقائدي بغض النظر عن الروابط العاطفية والمذهبية سيقوى الحزب وتعلو رايته على ساحة الوطن وهذا ما ينقصنا ويسبب انغلاق وضعف في الانتماء الفكري.
وأوضحت أن “احد الحلول للحفاظ على هذا الوطن هو الحوار الوطني، والذي يتم من خلاله تبادل الأفكار بين الناس وتتفاعل فيه الخبرات و يساعد على تنمية التفكير وصقل شخصية الفرد، وتوليد أفكار جديدة”، داعية كل الأفرقاء اللبنانيين الى العودة الى طاولة الحوار فهي الملاذ الأول والأخير لتحقيق ألسلم والأمان في بلدي لبنان”.
وشكرت كل القيمين على المؤتمر لأنه فتح المجال أمامي وأمام الجميع على التأكيد على أهمية الحوار الوطني والسياسي والذي يعتبر الخطوة الاولى لسلسلة من المؤتمرات للوصول الى استراتيجية لحل الأزمة اللبنانية، طالبة من الأحزاب اللبنانية أن تبدأ بالحوار الداخلي حتى تستطيع تقبل الرأي الآخر وتتقبل فكرة الحوار بين كافة الأحزاب.
ولفت نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزيف القصيفي إلى “أن التحليل السياسي يستند إلى وقائع، وهو ليس ضربا بالرمل ولا هو تخيلات، أو قراءة عابرة لخطب، وبيانات، وتصريحات، وإعلانات، غالبا ما تخالطها تمنيات سياسية او شخصية، وهو ما يسمى بالإنجليزية آل “WISHFUL THINKING” فالمحلل السياسي الذي لا يأخذ في الاعتبار الموضوعات الحسية قووقائع الارض، ويستقريء الحدث إنطلاقا منها، يكون مجرد عراف يجيد التكهن ليس اكثر. وللاسف فإن نسبة غير قليلة من المحللين، أو يقدمون أنفسهم بهذه الصفة في وسائل الاعلام، هم إلى العرافة والكهانة أقرب.
وأوضح أنه “مما تقدم يتبين كم هو ملح أن تكون ثقافة الحوار هي المحرك الرئيس لكل نشاط عام، خصوصا ما يتصل منه بالسياسة، وأن تكون الثقافة الشاملة المدعمة بالجنوح الدائم إلى الحوار، كوسيلة فضلى للتواصل مع آلاخر المختلف، لكي يكون التحليل السياسي ذا دور كبير في إيضاح الاحداث والوقائع، ومحاولة افهامها للرأي العام بأسلوب مباشر ومبسط، لا يزيدها غموضا وارباكا كما نجد لدى بعض الذين يشطحون ويخلطون حابل الممكن بنابل المستحيل، ويفلتون العنان لمخيلاتهم، فلا ثقافة من دون حوار، وإن ثقافة الحوار القائمة على المعرفة والفهم، هي التي تثمر تحليلا سياسيا سليما يركن إليه.
وأكد القصيفي أن “التحليل السياسي يجب أن يرتكز إلى المقومات عديدة أبرزها معرفة الحدث موضوع التحليل معرفة جيدة والاحاطة به إحاطة تامة، ومعرفة البيئة الجغرافية والبشرية لمكان الحدث وتاريخ هذه البيئة وارتباطها بمحيطها، كماالإفادة مما كتب ومن التصريحات والبيانات التي صدرت حول الحدث من المعنيين به مباشرة، وذلك لتسهيل استقرائه من كل جوانبه، فضلا عن إمتلاك مفاتيح اللغة المعتمدة في التحليل، لاضفاء الدقة على المقاربة، واجتناب الالتباس الذي يتسبب به سؤ استخدام التعابير، وعدم الجزم وايراد الخلاصات الحاسمة في ختام التحليل، خصوصا اذا كان الحدث مفتوحا على تطورات ومتغيرات ومفاجآت.