أشار رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل إلى أن “لبنان يستضيف اليوم ما بين 200 و250 لاجئ ونازح بالكلم المربع الواحد”، لافتاً إلى أنه “اذا اردنا قياس الامر على إيطاليا، فيصبح كأنها تستضيف أكثر من 75 مليون لاجئ بالمقارنة مع عدد سكانها”.
وفي كلمة له في مجلس النواب الإيطالي، أوضح أن “لبنان واجه التهجير الجماعي لـ 500 ألف فلسطيني من جهة الجنوب ومليوني سوري من الشرق والشمال، في حين لا يزال هو يواجه الهجرة المفروضة على شعبه”، لافتاً إلى أن “حركة إنتقال السكان في الشرق الأوسط لها أثر فوري على الجماعات المسيحية في المشرق وأثر مباشر على المجتمعات في أوروبا”.
وأشار إلى أن اعداد النازحين السوريين قفزت، بين عامي 2016 و2023، من مليون و600 ألف نازح إلى نحو مليونين، من بينهم 800 ألف شخص تحت سنّ 18 عاماً، موضحاً أن الإرتفاع في عدد النازحين إلى لبنان مردّه إلى زيادة الولادات وليس الوافدين الجدد، فيما تدنّت نسبة الولادات اللبنانية من 2.12 في العام 2010 الى 1.75 في العام 2022، لافتاً إلى أنه “إنخفاض تاريخي سببه إنهيار الوضع الاقتصادي، هذا في حين تستضيف المدارس الرسمية اللبنانية تلامذة سوريين أكثر من التلاميذ اللبنانيين”.
وأوضح أن “التأثير السلبي المباشر للنزوح على الإقتصاد اللبناني يبلغ بحسب البنك الدولي أكثر من 50 مليار دولار، بينما الناتج المحلي GDP تراجع من 55 مليار دولار الى ما يقارب 15 مليارا، في حين يبلغ في ايطاليا 2.1 تريليون”، لافتاً إلى أن “الأزمة بلغت حدوداً لا تطاق وباتت تشكل تهديداً مباشراً على وجود الكيان اللبناني أرضاً وشعباً”.
ولفت إلى أن “من اسباب بلوغ الازمة هذا الحد عدم التمييز بين الهجرة الطوعية والتهجير القسري، حيث أن الأمم المتحدة أصدرت عام 2016 وثيقة بعنوان “التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين”، وكان المقصود منها بوضوح إهمال معالجة أسباب التهجير والتعامل مع نتائجه، وتناسي حق العودة والتركيز على دعم وحماية وتثبيت النازحين بهدف دمجهم في البلدان المضيفة”، مشيراً إلى أن “الأمم المتحدة ركزت على مفهوم إعادة التوطين الذي يلغي حق العودة بالنسبة الى الفلسطينيين، خلافاً لقرار الأمم المتحدة رقم 194، ويؤدي الى تغيير ديمغرافي في البلدان المعنية مثل إيطاليا وسوريا ولبنان، فيضرب النسيج الإجتماعي لهذه الدول ويضعفها ويدخلها في صراعات وإنقسامات دينية”.
كما أوضح أن “من اسباب بلوغ الازمة هذا الحد ايضا الإرادة السياسية للمجتمع الدولي، بقيادة الأمم المتحدة وذراعها التنفيذي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بالاشتراك مع الإتحاد الأوروبي، من أجل دمج النازحين في البلدان المضيفة”، مشيراً إلى أن “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ودول أخرى ومنظمات غير حكومية أوقفت، لا بل منعت، العودة الطوعية للنازحين الى بلادهم عبر تهديدهم بقطع المساعدة المالية عنهم في حال عادوا الى سوريا بصورة دائمة”.
وأشار إلى أنه “نتيجة هذه السياسة تتجلى في لبنان عبر الرقم المسجل شهرياً لعابري الحدود بين لبنان وسوريا، إذ تظهر حركة الانتقال عبر الحدود أن ما يقارب 200 ألف من النازحين المسجلين لدى المفوضية كلاجئين يعبرون الحدود، فيما ترفض المفوضية لغاية اليوم تزويد السلطات اللبنانية بقوائم النازحين المسجلين لديها لتفادي تبيان دخولهم الى سوريا كنازحين واسقاط صفة اللجوء عنهم”.
على صعيد متصل، لفت إلى أنه “في خلال الحرب الأهلية إنهالت العروضات الغربية لترحيل المسيحيين ولاحقاً في العراق وحروبه منذ الثمانينات حتى اليوم، الى الربيع العربي في الآونة الأخيرة والحرب في سوريا التي هاجر منها أكثر من 50% من المسيحيين السوريين”، مذكراً بأن الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز قال بنفسه في كتابه “السلام” الصادر عام 1991 أن “إسرائيل تملك خبرة كبيرة بالترانسفير، أي نقل السكان، وهي قادرة على تقديم معلوماتها عن إعادة رسم الجغرافيا الديموغرافية للشرق الأوسط، ناهيك عن وثيقة عوديد ينون المعروفة”.
وشدد على أن “عمليات الهجرة والتهجير القسري للمسيحيين تندرج ضمن سلسلة من عمليات التفتيت لدول المشرق لتحويلها الى مجموعات متناحرة، فقيرة ومتطرفة”، موضحاً أن “هذا التفتيت له أثر سلبي على الشرق الأوسط وأوروبا إذ أن الصراعات والإضطرابات تولّد موجات من الهجرة تحمل معها التطرف والإرهاب وتستهدف المسيحيين في الشرق والغرب معاً”.
واعتبر أنه “اليوم وأكثر من أي وقت مضى ترتبط “الهجرة” بمسيحيي الشرق، فالمسيحيون يجدون أنفسهم في وضع حرج فإذا نظروا الى الغرب أملاً بالعيش مع جماعات يتشاركون معها مجموعات من القيم، يجدون انهم يتأقلمون بسرعة ويندمجون في المجتمعات، لكنهم يجدون أنفسهم في صدام مع الحداثة المفرطة لمجتمعات إبتعدت عن القيم المسيحية المحافظة”.
وفي حين لفت إلى أنه “إذا نظر المسيحيون الى الشرق، فإنهم يشعرون بالإنتماء الى المشرق، فهم جزء لا يتجزأ من نسيجه الإجتماعي وتاريخه ووجدانه، وهم من أطلقوا وطوروا فكرة الدولة والمواطنة”، أشار إلى أن “المسيحيين المشرقيين هم ضمانة التعددية والتنوع والمحرك الاساس لتعزيز العدالة الاجتماعية المبنية على أساس الكفاءة والاستحقاق، وهم يسعون جاهدين لتحقيق مجتمعات منفتحة ومتسامحة من خلال دحض نهج التقوقع والعزلة”.
وشدد على أن “أي محاولة لعزل المسيحيين المشرقيين في حلقات مغلقة، أو إجبارهم على النزوح، هي محاولة لدفع الشرق نحو دوائر القتل الأحادية الطابع، والمغلقة ثقافيا واجتماعيا”، مؤكداً أن “نزوحهم يهدد الشرق كما الغرب ويهدد فكرة العيش معا”، مشيراً إلى أن “الوجود الطبيعي والحر للمسيحيين المشرقيين في أراضيهم، بجانب إخوانهم وأخواتهم في المواطنة، هو اساس السلام في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، فإن حضارتهم ومساهمتهم ضرورية لكل من الشرق والغرب”.
وأوضح أن “نموذج المسيحيين التعددي وقدرتهم الاقتصادية وتراثهم السياسي يواجه تحديات خطيرة، وبالتالي، فإن دورهم معرض للخطر”، داعياً المسيحيين المشرقيين إلى “تحمل نصيبهم من المسؤولية وإظهار مرونة غير مسبوقة للبقاء وتصميم منقطع النظير على الصمود”.
ورأى رئيس “التيار الوطني الحر” أنهى “سيتعين علينا مضاعفة جهودنا لتجنب تهميشنا في بلداننا”، مشيراً إلى أنه “قريباً، ومع الثورة داخل العالم الإسلامي والعربي بقيادة ولي عهد السعودي محمد بن سلمان، لن يكون هنالك سبب للشكوى من عدم توفر الحريات الدينية، وسيستطيع المسيحيون وغيرهم عيش إيمانهم بحرية، زلن يعودوا معرضين لخطر الاضمحلال”، قائلاً: “سيصبح عليهم بدلا من ذلك كسب تحدي الوجود في صميم المجتمع الذي سيكون الازدهار والتطور مسموح فيه، وليس على هامشه”.
وشدد على أنه “يجب تقديم المساعدات الإنسانية للسوريين داخل سوريا، وإعادة وصل السوريين بوطنهم، وينبغي أن يكون تمويل عودتهم أولوية قصوى بالشراكة مع البلدان العربية التي رحبت مؤخرا بسوريا مرة أخرى في جامعتها العربية. كما هو الامر بالنسبة للاجئين الفلسطينيين الذين ينبغي إعادتهم الى وطنهم عبر تطبيق حل الدولتين، حيث لا يعود بإمكان إسرائيل فرض مفهومها عن الحرية على جيرانها، في حين تطبق هي نموذجها الأحادي، في منطقة متعددة الثقافات”.
كما رأى أنه “ينبغي علينا مقاربة قضية الهجرة في الشرق الأوسط وآثارها على المسيحيين المشرقيين بطريقة حضارية وإنسانية وأخلاقية. وفي حين أنه لا ينبغي أن يكون الترحيب بمن هم بحاجة للمساعدة وحمايتهم موضع نقاش، فإننا نعتقد أن الوقت قد حان لمناقشة خصوصياتنا بصدق، حيث لا يمكن ابداً تعزيز المساواة في حقوق الإنسان عبر اضعاف ملاذات آمنة للتنوع، مثل لبنان، أو عندما يصبح الحق في الاختلاف والتنوع انتقاصاً من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الاخرى”.
سياسة