«الحمدلله أننا لسنا في هذه الحكومة»… بهذه العبارة يختصر رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل اعتراضه على مجمل سلوك الحكومة منذ تشكيلها وحتى الآن. لا يكترث الجميّل لكونه يغرّد، شبه وحيد، خارج سرب السلطة التي تضم معظم القوى السياسية الاساسية، موحياً أنّ الطيور على أشكالها ستقع في نهاية المطاف تحت وطأة الازمة الاقتصادية المتفاقمة، ما لم يتم تداركها قبل فوات الأوان. يتخلى الجميّل عن كل أنواع القفازات حين يقارب المأزق الحالي، من دون أن يوفّر في نقده الصريح أحداً من المنخرطين في التسوية والمتمسكين بها. بالنسبة اليه، لم تعد المرحلة تتحمل المجاملات، لأنّ لبنان يقف على حافة الهاوية، ولم يعد يفصله عن الوقوع في المحظور سوى مسافة قصيرة قد لا تتجاوز حدود نهاية العام الحالي إذا لم تنطلق ورشة الانقاذ فوراً. ولأنّ الترقيع ما عاد مفيداً في مواجهة الارقام الصادمة والمؤشرات القاتمة، يدعو الجميّل صراحة، في مقابلة مع «الجمهورية»، الى استقالة الحكومة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، مبدياً ثقته في أنّ النتائج ستكون مغايرة تماماً لتلك التي أفضت اليها الانتخابات قبل عام. وإذا كان الجميّل يعتبر أنّ سلاح «حزب الله» يمنع انتظام النَبض الديموقراطي والسياسي للدولة، إلّا أنه يحمّل في الوقت ذاته رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع المسؤولية عن الرضوخ لتسوية غير متوازنة، قائلاً: هما استسلما وخضعا، أمّا أنا فلا، وهذا هو سبب خلافي معهما. وفي ما يلي وقائع الحوار الذي أجرته «الجمهورية» مع الجميّل
• غداة استقبالك وفد الحزب التقدمي الاشتراكي، يستحضرنا سؤال وليد جنبلاط الشهير: الى أين؟ في أي اتجاه يسير لبنان؟
- بدأ هذا المسار مع التسوية الرئاسية بوضع اليد على البلاد بشكل كامل، وتغيير موازين القوى في كل الطوائف، وإثارة الانقسام بين كل الأفرقاء فيستفيد منه الموالون لخط الممانعة، وقد تُرجمت هذه الاهداف مع الانتخابات الرئاسية أولاً، ومن ثمّ قانون الانتخابات وتشكيل الحكومة.
كان الهدف من قانون الانتخابات تحديداً إيجاد بدائل في الطائفتين السنية والدرزية عن سعد الحريري ووليد جنبلاط، وهذا ما حصل، سواء من خلال تشكيل كتلة سنية أو بفرض وزير موالٍ للخط السوري على جنبلاط.
• لماذا تعتبر ما حصل نوعاً من «الفرض» وليس انعكاساً للتنوّع داخل الطوائف؟ وهل المطلوب حصر الطوائف أو اختزالها ببعض الشخصيات فقط؟
- التنوّع مطلوب في الكتل كافة، لكن المشكلة تكمن في الهدف على المدى الطويل، وهو الاستغناء عن هذه القوى (الحريري – جنبلاط) لمصلحة مجموعات أخرى، في مرحلة تالية.
• اذا حصل ذلك بالوسائل الديموقراطية، ما المانع؟
- لا ديموقراطية بوجود سلاح مسيطر على الأرض. من المفترض أن يوجد النظام النسبي الذي اعتمد في الانتخابات الأخيرة تنوعاً في كل الطوائف، لكن لماذا لم ينسحب هذا التنوّع على الطائفة الشيعيّة؟ وهل هذا وليد مصادفة؟ إنّ عدم وجود تنوّع في الطائفة الشيعية هو مؤشر غير صحي، وبالتالي فإنّ «حزب الله» يقوم بتغيير موازين القوى حتى داخل الطوائف بقوة السلاح، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها هل يستطيع أي طرف غير «حزب الله» تعطيل الانتخابات الرئاسية على مدى عامين؟ هل سعد الحريري قادر على إقفال مجلس النواب لإجبار الأطراف الأخرى على انتخاب مرشحه الرئاسي؟ هل يمكن لأحد أن يحتلّ بيروت ويفرض اتفاق الدوحة ويفرض الثلث المعطّل؟ وهل نسينا القمصان السود وسقوط الحريري في 2011؟ هذا واقع!
• لماذا ترفض الاعتراف بالقوة الشعبية المسيحية للتيار الوطني الحرّ والتي بفضلها يحقّق ما يحقّق؟
- جبران باسيل «يَستقوي» بقوّة غيره، وتحديداً سلاح «حزب الله». أنا لا أنكر أنّ لدى التيار قوته الشعبية، لكن هذا لا يعني أنّ «المسار العنفي» بشكل أو بآخر هو مبرر. على كلّ طرف ممارسة اللعبة الديموقراطية تحت سقف القانون والدستور، والعيش المشترك، والقواعد الأساسية للحياة الديموقراطية في لبنان.
• كيف قرأت تداعيات حادثة الجبل، خصوصاً أنّك معني بالمصالحة المسيحية – الدرزية؟
- بالنسبة إلينا، البعض لم يَعش المأساة في الجبل، لذلك لا يعرف قيمتها ولا خطورتها، ففي هذه المواضيع لا يمكن «اللعب». نحن عشناها ولدينا مئات الشهداء الذين سقطوا في الجبل، لذلك نعرف أهمية المصالحة وضرورة المحافظة عليها، وبالتالي نطالب بتحصينها والمحافظة عليها وحمايتها.
وأرى أنّ ما حصل في الجبل أثار توتراً مفتعلاً غير موجود بالأساس، ومن حيث لا يدرون أعادوا الخوف الى نفوس أهالي الجبل فغادر بعضهم المنازله.
• من يتحمّل مسؤولية حادثة الجبل؟
- يتحمّل مسؤوليتها من يوتّر العيش المشترك باستمرار. هناك مسار أوصلنا الى هذه الحادثة، وهذا المسار خطير، وعلينا وقفه لأنه جاء كتغطية للفشل الذريع في إدارة البلاد، والطريقة الوحيدة لإخفاء هذا الفشل هو بتحريك النعرات وتجييش الناس طائفياً، كي يَنسوا همومهم ومشكلاتهم اليومية، وقد نجحوا في عملهم والبرهان تصويب الأخبار على الحادثة وتداعياتها عوض الكلام على الموازنة في ظل انهيار لبنان اقتصادياً.
هناك مسؤولية مشتركة على كل الأفرقاء في هذه السلطة، الذين في وقت من الأوقات تركوا البلاد معلّقة بهذا الشكل، والشعب اللبناني يدفع الثمن، من هنا الحمدلله أنّ الكتائب لم تشارك في هذه الحكومة.
• في ظلّ هذا التوصيف كيف ستواجهون؟ أمن خلال جبهة معارضة تضمّكم الى الاشتراكي والمردة وقوى أخرى؟
- كلّه متوقّف على تموضع هذه القوى السياسية، نحن في المعارضة، وغيرنا في الحكومة. والمطلوب من كل فريق أن يوضّح موقعه، فكل أفرقاء السلطة يستفيدون من مواقعهم في الحكومة، وخلافاتهم لا علاقة لها بالمبادئ الكبرى للبنان، بل بالمحاصصة، نحن خارج هذا الاطار.
مشكلتنا الأولى مع هذه الحكومة هي لا مبالاتها تجاه معاناة الناس، والثانية أنّ قرارها ليس ملكاً لها. والثالثة والأساسية أنّه لا يوجد قبطان يديرها، والبرهان هذه الأزمة حيث لا نرى قبطانا يعالجها، من رئيس الجمهورية الذي لا يقوم بأي دور الى رئيس مجلس النواب الى رئيس الحكومة الغائب، ما يطرح السؤال: من يدير البلاد اليوم؟
البلد «فلتان»، الّا حين يقول السيّد حسن كلمته، عندها نرى الجميع يسير في الصفّ.
• هل يقف الحريري وجعجع في الصفّ أيضاً؟
- قالوا لجعجع إنك لن تحصل على وزارة سيادية ولا على عدد الحقائب التي تطالب بها، وأعطوه حقيبتَي الشؤون الاجتماعية والعمل بعد أن كان يطالب بالأشغال والعدل، وهو وافق على ذلك. الحريري قال إنه لن يشارك في حكومة تضمّ عضواً من اللقاء التشاوري، ولكنه في نهاية المطاف وافَق وشَكّل الحكومة. والأمر نفسه ينطبق على جنبلاط.
• لماذا قَبل سمير جعجع بالمشاركة في الحكومة؟
- لأنه لا يريد أن يكون خارج السلطة، الحقيقة واضحة فهناك طرف متحكّم بمفاصل السلطة، ويفرض معادلته الرئاسية إمّا «مرشحي للرئاسة وإمّا يبقى المركز شاغراً»، هنا لا يمكن الحديث عن أسلوب ديموقراطي في العمل بالسياسة، وجعجع والحريري خضعا لهذا الابتزاز، بحجة أنّ البلاد معطّلة كما قالا. وخلافي معها أنني لم أستسلم أمّا هما فاستسلما، وأنا لم أخضع أمّا هما فخضعا. وهذا ينطبق على الانتخابات الرئاسية وعلى تشكيل الحكومة وعلى ممارسة العمل السياسي في البلد منذ 4 سنوات، باتا يخضعان لكلّ ما يفرض عليهما.
نحن في لبنان أمام مجموعة متضامنة، هي «حزب الله» مع حلفائه، تعمل على تحقيق كل شروطها في ادارة البلد، في مقابل الطرف الآخر الخاضع باستمرار لتلك الشروط.
• كيف تنظر الى دور المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في تدوير الزوايا؟
- ما علاقة اللواء عباس ابراهيم بكل هذه المهمات؟ هل من يشرح لنا ذلك؟ فتارة نراه في إيران لحلّ مسألة تخص وزارة الخارجية، وطوراً في مكان آخر لحل مشكلة في الداخلية، أو نراه في مهمة مصالحة السياسيين في ما بينهم… علماً أنني أقدّره وأحترمه وعمله ممتاز، وبالتالي أحمّل السياسيين مسؤولية جَرّ مديرين في الدولة لتأدية أدوار ليست لهم، ولحَرقهم، وعبّاس ابراهيم من الأشخاص الذين لا يجوز إحراقهم. الأجهزة الأمنية لا علاقة لها بالسياسة، ولكن في حال كان البعض يريد توسيع رقعة عمله فهذا موضوع آخر. في كل دول العالم الأجهزة الأمنية دورها محصور في حماية الأمن بعيداً عن السياسة.
• هل ترى أنّ «الطاقم السياسي الحاكم» قادر على إنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي؟ - تصرفاتهم دليل على قلة الوعي والمسؤولية، فهم لا يدركون خطورة الانهيار الاقتصادي الكامل.
• هل ترى أنّ موازنة 2019 إنقاذية؟
- الموازنة أشبه بمن يحاول إطفاء حريق شُبّ في منزله بزجاجة مياه، البلاد مديونة بـ90 ملياراً والعجز السنوي بلغ العام الماضي 6.5 مليارات، وكل سنة يرتفع الدين العام حوالى 7%. نحن أمام عملية كرة ثلج تكبر يوماً بعد يوم وستنفجر في نهاية المطاف، لأننا سنصل الى مكان لا يمكننا معه دفع معاشات الموظفين، ولا تسديد فوائد الدين.
الدولة استدانت مبالغ طائلة وبفوائد مرتفعة جداً، على طريقة المُرابين، وأظن أنه بقيت أمامنا أشهر قليلة قبل الانفجار.
• ما الحلّ؟
- نحن أمام حلّين، وقد يقولون انّ تنفيذهما صعب، لكنّ الأصعب هو انهيار البلاد، وهما:
أولاً، إقفال المعابر غير الشرعية وضبط المعابر الشرعية كالمرفأ والمطار، ما يرفع تلقائياً من مدخول الدولة بين الـ 10 والـ15 في المئة.
وثانياً، تطهير الادارة من الوظائف الوهمية، فهناك آلاف الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم من دون عمل، فإمّا أن تكون لدينا الجرأة لتنظيف الادارة أو سيدفع الجميع الثمن. أضف الى ذلك، هناك ملف الكهرباء الذي تدرّج من «مغارة» الى «إمارة».
• كم بقي من الوقت قبل الانهيار الكبير؟
- لا أعلم اذا كنّا سنصمد حتّى نهاية العام، وأستغرب أننا ما زلنا صامدين حتى الآن، لأنّ الأرقام لا تكذّب. عام 2018 قدّر العجز بـ 8.5 في المئة، لكنّ الأرقام أظهرت أنّ العجز وصل الى 11.5 في المئة. وعام 2019 وعوضاً عن الانطلاق من الرقم الصحيح أي 11.5 في المئة اعتمدت الحكومة على الرقم النظري الذي وضع في الموازنة السابقة وهو 8.5 في المئة، وهنا «الكذبة الكبرى».
• ألا يمكن لمؤتمر «سيدر» أن يمنحنا بعض المصل؟
- أين سيدر؟ «سيدر» كناية عن وعود باستثمارات ومشاريع ومردودها على المالية العامة يحتاج الى وقت. وبالتالي، هو ليس قروضاً مالية لملء الخزنة «المثقوبة»، ولن يضخّ في المالية العامة أموالاً. «سيدر» ليس كافياً لإنقاذ الوضع الاقتصادي.
• ما رأيك في تعيينات المجلس الدستوري الجديد؟
- نأمل أن يعاكس المجلس الدستوري «المعيّن» التوقعات، لكنّ الطريقة التي تمّ اختياره بها تعكس مخاوف من أن تكون هناك سيطرة سياسية عليه، وهذا منطقي.
• الذين قلت انهم خضعوا واستسلموا للتسوية، عاد المواطنون وانتخبوهم من جديد، بل انّ القوات اللبنانية رفعت نسبة تمثيلها، فيما خطابك لم يترك أثراً لدى الناس، بل تراجعت كتلتكم النيابية؟ - علينا أن نرى ما حصل منذ سنة حتى اليوم، فمَن وعد الناس بالتغيير والازدهار لم ينفّذ وعوده، والناس وجدوا أننا الصادقون. ونحن لم نتوقّع أن نكسب ثقة الناس من المحاولة الأولى، فالأمور يلزمها بعض الوقت، وأعتقد أنّ أداء مختلف أفرقاء السلطة ساعدنا كثيراً ونرى تغييراً كبيراً لدى الناس الذين نلتقيهم. نحن مقتنعون بالخط الذي نسير فيه، ولدينا الاستعداد لتحمّل مسؤولية موقفنا، ونكون من دون حلفاء لفترة معيّنة.
• هل تدعو الى استقالة الحكومة في هذه اللحظة؟
- بعد كل هذا الفشل يجب أن تستقيل الحكومة، فهي غير منتجة وأفرقاؤها غير متفقين فيما لبنان على حافة الانهيار، ولا يكفي أن تستقيل، بل علينا الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة تنتج مجلساً قادراً على النهوض بالبلاد. وفي حال جرت الانتخابات اليوم فإنّ النتائج ستكون مغايرة لما أتت عليه سابقاً، لأنّ كافة الافرقاء نَكسوا بوعودهم. فلتُعط هذه الفرصة للناس كي يتمكنوا من إنقاذ أنفسهم! أو اننا نذهب الى الانهيار.
• كيف ترى وضع المنطقة وتأثيره على لبنان؟
- بصراحة، ما دام لبنان يتأثّر بهزّات المنطقة، فهو لن يستطيع أن يبني نفسه، لذلك نحن نؤمن بالحياد. فلبنان لن يستقر إلّا بتحييد نفسه عن صراعات المنطقة. ويا للأسف، المنطقة تشهد توتراً كبيراً لا نعلم الى أين قد يصل، لكن ما يهمنا حماية أنفسنا من هذا التوتّر، بفرض دولة القانون ومنع السلاح غير الشرعي، وحماية حدودنا، وهذا ما لا نقوم به.