رجحت محاولات فرض “حكومة جديدة” بمراسيم جديدة، غلبة المساعي الجدية على الحراك الاضطرابي” المناهض للتيار الوطني الحر وقيادته، وفقاً لما كانت أشارت اليه “اللواء” في عددها الاثنين الماضي.
ومن هذه الزاوية، وبالتوازي مع اعادة تنشيط المساعي الدولية والاقليمية التفاهم عى رئيس جديد للجمهورية، يزور رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي قصر بعبدا، ويلتقي الرئيس ميشال عون للبحث في الملف الحكومي، من زاوية التشكيلة التي قدمها الى رئيس الجمهورية في 29 حزيران وعددها 24 وزيراً، والتعديلات المطلوبة عليها، او لصرف النظر عن اي تغيير، فضلاً عن البحث بإمكانية تأليف حكومة من 30 وزيراً، اضافة 6 وزراء دولة على الحكومة الحالية، لجهة العدد.
ونقل امس زوار بعبدا رغبة رئيس الجمهورية في تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلف وفقاً لقواعد الدستور والشراكة الوطنية، واعطاء الفرصة للبحث للوصول الى تفاهم عملي.
ولفتت مصادر سياسية مطلعة لـ “اللواء” إلى أن اللقاء الصباحي بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سيستكمل النقاش بالملف الحكومي دون أن يعني ان الحسم اقترب ولاحظت أن النقاط التفصيلية في ما خص التشكيلة وتوزيعها من خلال تبديل وزيرين والاتفاق على تسميتهما هي ما تزال محور الأخذ والرد.
وأشارت مصادر سياسية الى ان ميقاتي يزور بعبدا اليوم، وامامه صيغتان لتشكيل الحكومة العتيدة، اولها صيغة الحكومة المشابهة لحكومة تصريف الأعمال الحالية، والتي سلمها لرئيس الجمهورية وفيها اقتراح لتعديل اسمين فيها، وهما وزير الاقتصاد امين سلام ووزير المهجرين شرف الدين، بعدما صرف النظر عن استبدال وزير الطاقة وليد فياض، استجابة لطلب رئيس الجمهورية، بايحاء من صهره رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وثانيها، صيغة توسعة التشكيلة بضم ست وزراء دولة من السياسيين اليها بطلب من رئيس الجمهورية.
وقالت المصادر ان الصيغة الاولى متوقفة عند من يسمي الوزيرين البديلين، فيما الصيغة الثانية، لا تلقى قبولا من ميقاتي، ولا من رئيس المجلس النيابي نبيه بري وقوى اخرى، لانها تضم في ثناياها حصول باسيل على الثلث المعطل، ما يؤشر ضمنا الى استبعاد الخروج بنتائج إيجابية، تؤدي إلى حلحلة عقد المطالب والشروط التعجيزية الموضوعة من قبله امام التشكيل.
تعطيل باسيل
ورغم أن ميقاتي يتجنّب حرق المراحل مع عون لإفساح المجال أمام اللقاء المرتقب بينهما، فإن المواكبين لما نتج من اجتماعهما الأخير يقولون لـ”الشرق الأوسط” وليس من باب التجنّي على باسيل، بأن رئيس “التيار الوطني” هو من قاد الانقلاب للإطاحة بالمرونة التي أبداها عون لتعويم الحكومة، ويؤكدون بأنه ثبت مرة جديدة أنه هو من يستحوذ، كما يتهمه خصومه، على الختم السياسي للجمهورية بتسليم من عون الذي “منحه” بموجبه حق النقض واستخدام الفيتو إذا لم تأتِ التشكيلة الوزارية على قياسه وتلبي طموحاته بأن يكون شريكاً في إدارة الفراغ الرئاسي إذا تعذّر انتخاب رئيس جديد.
وكشف هؤلاء عن أن تراجع عون عن المرونة التي أبداها أثناء اجتماعه بميقاتي جاء استجابة لرغبة وريثه السياسي الذي لم يفقد الأمل بأنه ليس في عداد المرشحين للسباق إلى الرئاسة الأولى، رغم أن حظوظه تكاد تكون معدومة وهو يراهن الآن على ما يدور في المنطقة من حراك يعيد له الاعتبار لخوض الانتخابات الرئاسية، ويؤكد المواكبون بأن ميقاتي غادر القصر الجمهوري وفي يقينه أن للبحث صلة وأن هناك إمكانية للتأسيس على انفتاح عون للوصول بتعويم الحكومة إلى بر الأمان مع أنه لم يسحب اقتراحه بتشكيل حكومة موسعة من 30 وزيراً من بينهم 6 وزراء دولة من دون أن يدخل بالتفاصيل بدءاً بالأسماء وانتهاءً بتوزيع الحقائب الوزارية على الطوائف.
ولم يقفل ميقاتي، بحسب ما توافر من معلومات لـ”الشرق الأوسط”، الباب في حال رغب عون في توسيع تطعيم الحكومة الحالية بوزير أو اثنين، مبدياً استعداده للبحث في تشكيل حكومة موسعة، لكنه فوجئ بالرسالة التي أرسلها إليه عون بواسطة شقير والتي تتعارض في مضامينها مع الأجواء التي سادت اجتماعهما سواء لجهة إصرار عون على أن يسمي الوزيرين البديلين لسلام وشرف الدين، إضافة إلى أنه يقترح توسيع تطعيم الحكومة، وإنما ليس على نطاق محدود، مشترطاً في الوقت نفسه إعادة النظر في توزيع الحقائب.
ويأتي رد ميقاتي على الرسالة التي تسلمها من شقير باسم عون وكأنه يحمّل باسيل مسؤولية تعطيل تعويم الحكومة، وإلا لما حرص مكتبه الإعلامي في ردّه على باسيل بتحميله مسؤولية مباشرة حيال العودة بالمشاورات بين عون وميقاتي إلى نقطة الصفر.
وفي هذا السياق، يقول مصدر حكومي سابق فضّل عدم ذكر اسمه، بأن عون مستمر في عناده ومكابرته ويتصرف وكأنه في السنة الأولى من ولايته ولا يدرك بأن السواد الأعظم من اللبنانيين بدأ يعد الأيام المتبقية من ولايته الرئاسية وينتظر بفارغ الصبر أن يخلي سدّة الرئاسة لخلفه.
واكد لـ”الشرق الأوسط” بأن عون لم يحسن التصرف في إدارته شؤون البلد، وأقحم نفسه في اشتباكات سياسية مجانية ليس مع معظم القوى السياسية باستثناء حزب الله فحسب، وإنما مع الحرس القديم في “التيار الوطني”، ومن ضمنه فريق من أهل بيته العائلي، كما أنه لم يتردّد في خرق الدستور بخروجه عن الرئيس الجامع للبنانيين والعامل للتوفيق بين المكوّنات السياسية في البلد.
لقاء متفجّر؟
وتردّد ليل امس انّ رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل جدّد تمسّكه بوزير الاقتصاد امين سلام لأسباب غير معروفة ومن دون اي تبرير واضح ودقيق، بعدما قيل انه يريد تغيير وزير آخر ان لم يحصل تفاهم على توسيع الحكومة الى ثلاثينية.
وقالت مصادر مطلعة ان ميقاتي رفض صيغة التوسيع لأنها تفتح الباب على تغييرات قد يطالب بها قادة آخرون. ومن بين الاحتمالات المطروحة ان يصار الى اعادة النظر بوزير المال يوسف الخليل لمصلحة النائب السابق ياسين جابر، فيما حزب الله لا يريد تغيير ايّ من وزيريه علي حمية ومصطفى بيرم.
زوّار الليل
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية” ان الاتصالات لم تؤد حتى ساعة متأخرة من ليل أمس الى نتيجة حاسمة نتيجة اصرار الرجلين على نظرتين مختلفتين لا تسمحان بالتوصّل الى تركيبة حكومية مقبولة من الطرفين. ومردّ هذه الاجواء ان رئيس الجمهورية ما زال مصرّاً على صيغة توسيع الحكومة وتطعيمها بستة وزراء دولة يضافون الى تركيبة الـ24 القائمة اليوم من دون المس بالحقائب الاساسية سوى تلك التي سيطاولها التغيير، بعد ان انحصر التعديل بحقيبتي الاقتصاد والمهجرين على رغم من الأجواء التي تسرّبت أمس وقالت ان رئيس الحزب التقدمي الاستراكي وليد جنبلاط تحفّظ عن تغيير وزير المهجرين عصام شرف الدين في موقعه الحالي منعاً لأي تفسيرات لا يريد ان يتورّط فيها شخصياً، وهي عملية “ما بتحرز” لتنسب الى نيله مقعدا وزاريا في هذه الحكومة تحديدا، وان أرادوا تغييره لأسباب أخرى مسلكية او سياسية ووزارية فليتحملوا مسؤولية تلك الخطوة.
غير انّ مصدرا معنيا بتأليف الحكومة قال لـ”الجمهورية” ان جنبلاط ابلغ الى المعنيين انه “لا يريد على الاطلاق ان يُشارك في الحكومة الجديدة او أن يسمّي وزيرا يمثّله فيها بدلاً من وزير المهجرين”. ويبدو ان هذا الموقف الجنبلاطي نقله النائب وائل ابو فاعور الى ميقاتي الذي استقبله في السرايا الحكومية امس.