على ما تؤشّر الأجواء المحيطة بالملف الحكومي، فإنّ تأليف الحكومة، هو الاحتمال الأضعف حتى الآن، الاّ إذا حدثت معجزة حرّرت الحكومة من قبضة “المعايير” المختلف عليها بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي.
وعلى ما يؤكّد مطلعون على خفايا التأليف لـ”الجمهوريّة”، انّ تعطيل التأليف له وجهان، الاول مكشوف، والثاني مستور. المكشوف، عنوانه وزارة الطاقة التي تقع في صدارة المعايير الرئاسية التي لن يقبل رئيس الجمهورية بإسنادها الى أي شخصية خارج الفريق الرئاسي، أي ان تبقى في قبضة “التيار الوطني الحر” بصورة مباشرة او غير مباشرة، ذلك انّ التخلّي عن هذه الوزارة يعدّ بمثابة القبول باتهام التيار على انّه المسؤول عن كل ما أصاب قطاع الطاقة ومتفرعاته الكهربائية و”السدوديّة” من اهتراء وانهيار.
النقاش مفتوح .. ولكن
اما في المقابل، بحسب ما يكشف المطلعون، فإنّ الرئيس المكلّف لن يتراجع عن المعايير التي حدّدها في تشكيلته الوزارية التي قدّمها الى رئيس الجمهورية، وانتزع فيها وزارة الطاقة من يد التيار.
ويوضح هؤلاء، أنّ الرئيس المكلّف، لم يضع تشكيلة الحكومة ليتراجع عنها، بل وضعها كقاعدة نقاش تقوم على غالبية الحكومة السابقة، إنما الثابت الأساس هو تحرير وزارة الطاقة، وإسنادها لوزير غير محسوب من قريب او بعيد على “التيار الوطني الحر”. وباب البحث مفتوح هنا للتعديل، ولكن ليس على قاعدة استبدال وزير بوزير من الفريق نفسه، بل على قاعدة الاتفاق بين الشريكين على اسم وزير للطاقة من خارج التيار.
وما بين هذين التوجّهين المتناقضين، ثمة جامع مشترك بين الشريكين في تأليف الحكومة، هو إلقاء التهمة بصورة علنية أو غير علنية، على الآخر بأنّه لا يريد حكومة.
عقدة التعطيل!
واما في الوجه المستور للتعطيل، على حدّ ما يكشف المطلعون على خفايا أزمة التأليف، فهنا تكمن عقدة التعطيل الجوهرية، والتي تؤكّد انّ وزارة الطاقة هي تفصيل صغير جداً امام ما يُقال ويُطالَب به داخل الغرف المغلقة.
ويقدّم هؤلاء ما يصفونها بالمعطيات الموثوقة، وتفيد بأنّ “رئيس الجمهورية وكما هو واضح، لا يرضى بحكومة تنتقص من حجم وحضور ودور تياره السياسي في الحكومة الجديدة، والرئيس المكلّف لن يقدّم أي “تنازلات يطالبون بها” لكي تتشكّل الحكومة، وخصوصاً انّ ما يطالبون به ليس تنازلات، انما امتيازات، وبالتالي لن يقدّم ميقاتي لا تنازلات ولا امتيازات”.
وبحسب المعطيات الموثوقة، فإنّ “الامتيازات” التي يطالَب الرئيس المكلّف بمنحها للطرف الآخر، تتناول أمرين جوهريين، الاول، هو الالتزام بالمسارعة فور تشكيل الحكومة إلى تعيينات تشمل كلّ الشواغر في الفئتين الاولى والثانية، وهذا يعني تعيين المقرّبين من “التيار الوطني الحر” في المراكز المسيحية الشاغرة. واما الامر الثاني، فهو الالتزام الجدّي والصادق بإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. إذ لا يكفي فريق رئيس الجمهورية ان يسمع عن أنّ الرئيس المكلّف مع إقالة سلامة، ولكن بشرط ان يتأمّن البديل له والاتفاق عليه.
مراوحة طويلة
وفي الشأن الحكومي، قالت مصادر سياسية مطلعة لـ “اللواء” أن الملف قد يشهد حالا من المراوحة الطويلة، ما لم يحصل أي خرق معين، واشارت إلى أن الخشية قائمة من ابقاء مناخات التشنج قائمة، ما يدفع إلى إبقاء عملية تشكيل الحكومة من دون أي منافذ.
وأوضحت هذه المصادر أن تسريبات بدأت تشق طريقها عن خيارات يلجأ إليها رئيس الجمهورية لمحاصرة رئيس الحكومة المكلف، لكن المسألة ليست دقيقة ولفتت أنه طالما أن اياً من الفريقين لم يعلن صراحة مواقف سلبية تؤشر إلى أن التشكيل لن يحصل.
واستبعدت المصادر حدوث أي حلحلة مرتقبة قريبا، لملف تشكيل الحكومة العتيدة، بسبب استمرار تمسك كل طرف بمواقفه، وعدم دخول أي طرف ثالث لتذليل الخلافات القائمة وتقريب وجهات النظر بين الطرفين، كما جرت العادة من قبل، لانه يبدو أنه، لا عجلة بتاليف الحكومة الجديدة حتى اليوم، وقد يكون السبب انتظار ما ستؤول اليه التطورات الاقليمية والدولية المتسارعة، ولاسيما منها زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة، ومسار مفاوضات الملف النووي الايراني.
لقاء سياحي بأبعاد سياسية
على صعيد مختلف، التقى النائب في “التيار الوطني الحر” غسان عطالله، برئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، في زيارة تحمل “طابعاً سياحياً بأبعاد سياسية”، رغم تأكيد الطرفين أنه لم يتم التطرق بشكل مباشر إلى القضايا السياسية.
وقالت مصادر “الاشتراكي” لـ”الشرق الأوسط” إن عطالله طلب اللقاء، فكان هناك ترحيب من قبل جنبلاط، حيث حمل نائب “التيار” رسالة أكد خلالها على أهمية التهدئة في الشوف لتمرير الموسم السياحي بهدوء، بعيداً عن التشنج السياسي.
وتلفت المصادر إلى أنه في المقابل كان هناك تأكيد من جنبلاط على هذا الأمر، موضحة: “بالنسبة إلينا هذا الأمر من البديهيات، وتأكيد المؤكد الذي لطالما نادينا به، مع دعوتنا الدائمة، وحرصنا على المحافظة على مصالحة الجبل في كل الأوقات، وليس فقط خلال الموسم السياحي”.
من جهتها، قالت مصادر مطلعة على موقف “التيار”، لـ”الشرق الأوسط”، إن هذا اللقاء كان بمبادرة من أحد رجال الدين الذي طلب من عطالله ضرورة كسر الجليد والتهدئة مع “الاشتراكي”، لا سيما بعد التصعيد الكلامي غير المسبوق الذي تلا حادثة الجبل (إطلاق نار وإشكالات مع أنصار “التقدمي”، خلال زيارة قام بها رئيس “التيار” جبران باسيل إلى الشوف عام 2019)، فكان هناك ترحيب من قبل نائب “التيار”، الذي عاد إلى مرجعيته السياسية التي رحّبت بدورها باللقاء، بعد الإشارة الإيجابية أيضاً التي أتت من “الاشتراكي”.
وحصل اللقاء، الذي، وإن غلب عليه الحديث السياحي، لم تغب عنه الأبعاد السياسية، بحسب المصادر التي تلفت إلى أنه تم الاتفاق على عقد لقاء ثانٍ، الأسبوع المقبل. من هنا تعتبر المصادر أن اللقاء الذي حصل لا بد أن يمهّد لفتح الباب لتقارب سياسي في هذه المرحلة، حيث الاستحقاقات أساسية ومهمة.
لكن في المقابل، علمت “الشرق الأوسط” أن رئيس “الاشتراكي”، مرّر إشارات خلال اللقاء مفادها أنه، في الاستحقاقات الكبرى، على غرار رئاسة الجمهورية وترسيم الحدود، لن يكون للكتل النيابية الصغيرة تأثير كبير، في محاولة منه لقطع الطريق على أي محاولات لطرح قضايا سياسية من قبل “التيار الوطني الحر”.
لقاء تهدئة
وبرغم الخلافات السياسية، عُقد لقاءٌ بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وعضو تكتل “لبنان القوي” النائب غسان عطالله، وعلمت “اللواء” من مصادر واكبت الاجتماع، ان الهدف منه كان تهدئة الاجواء على الارض خاصة في الجبل، ووقف الحملات الاعلامية والسياسية، “لتمر الصيفية على خير ويبقى للناس بارقة امل، لا سيما للشباب الذي جمع حقائبه ويستعد للهجرة”. الى جانب البحث في قضايا تنموية تهم منطقة الجبل.