ليبانون تايمز_ علي محمود شحادة
ان الحجاب هو تشريع اسلامي ثابت بنص القرآن الكريم والسيرة النبوية لكن الحقائق التاريخية تكشف ان فرضه في المجتمعات البشرية كان سابقا على ظهور الاسلام.
ويظهر المسار التاريخي ان ارتباطه بالاسلام وصيرورته جزءا من هوية المجتمع الاسلامي جاء بعد انحساره في المجتمعات الأخرى على نحو تدريجي.
لذا ان انتشار الحجاب في المجتمع الاسلامي دون غيره في عصرنا الحالي أوهم انه تشريع خاص بهم وان بذرته الأولى كانت مع بداية الدعوة النبوية بينما تكشف الدراسات الانثروبولجية حول العادات الاجتماعية للشعوب القديمة ان الحجاب كان فرضا لازما على نساء بعض تلك الاقوام بل على خصوص الحرائر منهن.
سنستعرض في هذا المقال لمحة سريعة ومختصرة من حقائق تاريخية حول المسائل الجدلية المتعلقة بحياة المرأة عند الشعوب القديمة وقد اعتمدنا بعض المصادر التي تناولت الانظمة الاجتماعية في تلك الحقبة التاريخية وسيظهر ان نظام الاماء كان سائدا عند تلك الشعوب وان قوانين الحرائر واحكامهن تختلف عن احكام الاماء.
الحجاب عند الاشوريين:
بين عامي 1903 و1914 عثر على لوحات طينية قديمة تعود للقرن الثاني عشر قبل الميلاد محفور عليها قوانين عامة من ضمنها قانون نظام الحجاب، وفد وجدت هذه اللوحات في ضمن حفائر خاصة بالاشوريين. وينص هذا النظام على عدة نقاط يظهر منها اهمية مراعاة الحجاب للنساء الحرائر:
- يجب على كل امراة حرة ان ترتدي الحجاب حين خروجها من دارها.
- يمنع على الاماء والنساء المومسات ان يرتدين الحجاب.
- تعاقب الامة بصلط اذنها والمراة المومس بالجلد 50 مرة ان ثبت ارتداؤهن للحجاب
وكان يجب على الامة والمومس ان يرتدين الحجاب في حالتين: - الامة ترتدي الحجاب ان خرجت مع سيدتها.
- المراة المومس تردي الحجاب اذا تزوجت.
وكان يفرض على كل مواطن ان يبلغ السلطة عن اي امة او امراة سيئة ترتدي الحجاب بل كان يعاقب ان لم يفعل بالجلد وان فعل يكافىء بمنحه ثيابها هدية.
وتظهر بنود هذه الانظمة ان الاشوريين كانوا يتعمدون تمييز نسائهم بالحجاب والستر حفظا لهن عن أعين الرجال ويبدو ان ذلك بسبب اعتبارهك ان المرأة الحرة تصون زوجها وتحمي شرفه، بينما يرون ان الاماء والنساء الفاسدات لا بد وان تكون اجسادهن مباحات لامتاع انظارهم واشباع شهواتهم فلا ينبغي لهن ان يتشبهن بالحرائر.
الحجاب والاختلاط في اليونان:
وفي اليونان القديمة تنقل النصوص ان الحجاب كان فرضا على الحرائر وممنوعا على الاماء والمرأة المومس.
ففي موسوعة الميثولوجيا الصادرة عام 1964 في لندن ان ديكايريش المتوفى عام 285 قبل الميلاد وصف حجاب نساء طيبة وهي بلدة يونانية قديمة:
“انهن كن يلبسن ثوبهن حول وجههن بطريقة يبدو معها هذا الاخير وكأنه غطي بقناع، فلم يكن يرى منهن سوى العينين”. وبحسب هذا الوصف فان المراة كانت تلف ثوبها على وجهها كي لا تعرف”.
وكانت الفتاة تقبع في غرف خاصة للنساء في بيت أبيها حال حضور ضيوف رجال الى الدار ولم تكن المراة تستقبل مع زوجها ضيوفه، وان كانت معهم نسوة يدخلن الى غرفة النساء منعا للاختلاط بين الجنسين.
واجهت هذه الانظمة اعتراضات من بعض فلاسفة اليونان كافلاطون الذي نادى بالسماح للنساء بالخروج لتحصيل العلم واكتساب الثقافة والخبرة الاجتماعية، ومن كلامه ان المدينة التي لا تسمح للنساء بالتعلم كالرجل الذي لا يستخدم الا يده اليمنى في العمل، واقترح ان تكون قاعات المدارس مختلطة بين الجنسين كي يعتاد كل منهما على الاخر ولا يتولد الكبت الجنسي عند الشباب والشابات.
اما ارسطو معلم افلاطون الذي كان اظهر مرارا استهانته بالمرأة يقول في كتاب السياسة: “ان طبيعة العلاقة بين الذكر والانثى هي ان الذكر متفوق والمراة متدنية، ما يجعل الذكر قائدا فيما تكون الانثى تابعة”.
وكان يعتبر ان وظيفة المراة تقتصر على الامومة وادارة الشؤون البيتية كتنظيف المنزل واعداد الطعام وغير ذلك.
المرأة في مصر القديمة
اما في مصر القديمة فان النساء كن يمتلكن كامل الحرية في الخروج سافرات وفي الاختلاط مع الرجال بل كان مشهورا عن شعب مصر ان المراة كانت تخرج للعمل والكسب بينما يبقى الرجل في البيت ينسج الثياب ويهتم بالاطفال. والرجل عندهم كان حين يتزوج يهب املاكه لزوجته ويحملها أعباء المسؤوليات المالية.
وينقل هيرودت الرحالة اليوناني انه زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد فاندهش من سعة الحرية الممنوحة للمرأة، وقد عبر عن اسباب دهشته بالقول ان “النسوة هناك يخرجن سافرات الى الاسواق ويختلطن بالناس ويمارسن التجارة”.
المرأة عند الرومان
في عهودهم الاولى فرض الرومان الحجاب على نسائهم وحبسوهن في البيوت، فكانت الداية تخرج لتلد النساء فترتدي عباءة طويلة وتخفي وجهها.
لكن هذه الاحوال تبدلت في عهد الامبراطورية فأعطيت النسوة الحرية في الخروج واللباس والمخالطة مع الرجال حتى أسرفن في التزين والخلاعة وتدخلن في شؤون الدولة حتى ساءت احوالها الى ان قدم “كاتو” وهو مصلح اخلاقي روماني وكان جنديا وسياسيا ماهرا، فاراد ان يرجع عهد روما السابق فنصح وعمل على اعادة ضبط حركة النساء بارجاعهن الى بيوتهن لكنه لم يفلح.
وعن احوالهم ما بعد الميلاد يقول عالم الاجتماع الفرنسي غوستاف لوبون (1841-1931) ان التعاليم الدينية بشأن المرأة عند الرومان كانت قاسية جدا فالفتاة التي ترغب بالاتصال برجل كان عليها ان تدخل على القسيس اولا فتكون له زوجة او امة ثم يعتقها. وفي مقالة نشرتها المجلة العلمية يذكر لوبان: “ان الزنا والسفاح كان امرا سائدا عند الفتيان والفتيات قبل الزواج بل كان المستغرب هو ان تجد امراة تتصف بالعفاف والحياء، اذ كان يعاب على الفتاة ان تتخلف عن السفاح قبل الزواج”. ثم يقول ان “هذه العادة ترعب اهل اوروبا في هذا العصر”.
هذه لمحة بسيطة عن حال المرأة عند تلك الشعوب وفيه تبيان ان الحجاب هو ظاهرة أصيلة مرتبطة بالمجتمع البشري منذ نشوئه وليست تشريعا مختصا بدين او بجماعة بشرية محددة، وهو ان كان مادة جدلية فان النزاع ليس دينيا ولا تشريعيا بحتا بل ان حقيقته ترجع إلى اختلاف في الثقافة، وفي الرؤية التي تقدمها هذه الثقافة حول المرأة ودورها في المجتمع.
ويمكن استنتاج خلاصة من هذه الوقائع ان تستر المرأة والحد من اختلاطها مع الرجال هو حاجة كانت تفرضها طبيعة الحياة الاجتماعية عند بعض شعوب ما قبل الميلاد وبالخصوص الاشوريين واليونانيين.