ورد في صحيفة الجمهورية مقالاً عن الأحداث التي وقعت ليل أمس في الجبل، جاء فيه: الجبل نام حزيناً أمس على قتلى سقطوا ضحايا مصالح سياسيين بعضهم يستعجل الفوز في استحقاق لم يحن أوانه وليس هو من يقرّر فيه. والبعض الآخر يشعر بأنّه يتعرّض لمحاولات تحجيم وينتابه الخوف على مستقبله في زمن تغيير الدول. وثالث يريد ان يُقاسم الآخر نفوذاً او يجلس مكانه، فيما لا يملك المقومات اللازمة لذلك، وقد تدخّلت الدولة بقواها العسكرية والامنية لفك الاشتباك بين هؤلاء، فكان لها نصيبها من الاعتداء قبل ان تتمكن من السيطرة على الوضع الذي ظل قلقاً ومتوتراً.
وعن جولة جبران باسيل الجبلية أشرات الجمهورية الى أنه “لم تمرّ جولة باسيل على منطقة عاليه أمس هادئة، إذ إستُقبلت بإشعال الإطارات وقطع الطرق احتجاجاً، وأدّت الى مقتل اثنين من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب وإصابة ثالث منهم، فيما اصيب رابع ينتمي الى ”الحزب التقدمي الاشتراكي”، وذلك لدى مرور موكب الغريب بين بلدتي قبرشمون والبساتين، أثناء الاحتجاجات على زيارة باسيل. ودخلت قوة كبيرة من الجيش إلى بلدة كفرمتّى محاولة فتح الطرق وحصلت احتكاكات بينها وبين المحتجين واوقفت عدداً منهم.”.
وعقب الحادثة غرّد وليد جنبلاط مساء أمس، قائلاً: “لن ادخل في اي سجال اعلامي حول ما جرى .اطالب بالتحقيق حول ما جرى بعيداً عن الابواق الاعلامية. واتمنى على حديثي النعمة في السياسة ان يدركوا الموازين الدقيقة التي تحكم هذا الجبل المنفتح على كل التيارات السياسية دون استثناء، لكن الذي يرفض لغة نبش الاحقاد وتصفية الحسابات والتحجيم”.
أما صالح الغريب فاعتبر من جهته، أنّ ما حدث في قبرشمون “كان مكمناً مسلحاً ومحاولة اغتيال واضحة، وإطلاق النار على الموكب كان موجّهاً الى الرؤوس”، منبّها إلى أنّ “شدّ العصب يوقع بالمحظور”. وأكّد “حرصنا على السلم الأهلي ووحدة الدروز وتكاتفهم”، داعياً الى “ضبط النفس بعد الدماء التي سقطت”، وقال: “نحن نعتبر أنفسنا بي الصبي”. وختم: “نحن لا نتفنن باستعمال الدم في السياسة”.
في هذه الاثناء، أُعلنت حال الإستنفار على اعلى المستويات واجرى رئيس الجمهورية سلسلة من الإتصالات مع كل من رئيس الحكومة سعد الحريري ووزيري الدفاع والداخلية وقائد الجيش، وتلقى اتصالات مماثلة من قيادات روحية حزبية وسياسية، وطلب اتخاذ الاجراءات اللازمة لضبط الوضع.
وقالت مصادر مطلعة لـ “الجمهورية” انّه ونتيجة ما تلمّسه رئيس الجمهورية من مخاطر تهدّد أمن الدولة، دعا مساء امس المجلس الاعلى للدفاع الى اجتماع طارئ عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم في بعبدا، للبحث في ما ستكون قد آلت اليه الإتصالات والتحقيقات التي بوشرت على مختلف المستويات الأمنية والقضائية والسياسية والحزبية، وعلى وقع سلسلة التدابير الإستثنائية التي نفذتها وحدات الجيش وقوى الأمن الداخلي في منطقة الشحار وبقية المناطق التي انعكست عليها احداث كفرمتى وبعض قرى عاليه والشحار الغربي، وصولاً الى خلدة، حيث قطع اهالي قتلى كفرمتى الطريق الساحلية امام اللبنانيين في الاتجاهين لساعات عدة، فيما شهدت محلة عين المريسة في بيروت تحرّكات شعبية لمناصري الحزب “الإشتراكي”.
بدوره، رئيس الحكومة سعد الحريري أجرى اتصالات بالوزراء المعنيين والقيادات الأمنية والسياسية والحزبية، وشملت باسيل والمسؤولين في قيادتي “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”الحزب الديموقراطي اللبناني، والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان ومدير المخابرات في الجيش العميد طوني منصور، وشدّد الحريري على ضرورة تطويق الإشكال الحاصل في الجبل وبذل أقصى الجهود الممكنة لتهدئة الأوضاع وإعادة الامور الى طبيعتها.
وأشار رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره أمس، رداً على سؤال حول ما حصل في الجبل: “هذا أمر ما كان يجب ان يحصل، بل يجب أن يُعالَج هذا الأمر فوراً”.
من جهته قال الوزير السابق مروان حمادة لـ”الجمهورية”، انّ “وزير الخارجية يتنقل من منطقة الى اخرى عوض ان يقوم بدوره كوزير خارجية، وينقل معه الفتنة من بشري الى عكار وعاليه وزغرتا والكحالة، الى أن فلتت الامور في آخر المطاف”. وأضاف: “ركب باسيل عَ ضهرنا وعَ ضهر لبنان وخلّيه يحلّ عن ضهرنا وأنا احمّله المسؤولية الكاملة لسقوط كل نقطة دم هدرت في أرض الجبل ونشكر الله ان بعلبك وبشري وزغرتا “زمطت” من سقوط الدماء والضحايا”.
وحذّر حمادة قائلاً: “اذا استمر باسيل على هذا النهج والمنوال من تحدّي الناس في كل منطقة يزورها استفزازاً من غير ان يأتي أحد “صوبه”، خصوصاً أنه لم يترك احداً لم يستفزه من مواطنين وانصار ومذاهب ورجال دين وسياسيين، ومتنقلاً من منطقة الى أخرى، من الطبيعي أن تكون “آخرتها” أحداث مماثلة”. وأضاف: “وبصفته وزير خارجية المطلوب منه أن يكتفي بالزيارات الخارجية وليس الزيارات الفتنوية الداخلية…والأولى له “يحلّ عن ضهرنا ” ويقوم بدوره كوزير خارجية”.
كما غرّد رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية “تويتر” تعليقاً على ما حصل في الجبل، متحدثاً عن “الفتنة المتجولة التي تحاول بناء وجودها على الخلافات في كل المناطق وتغذية مشروعها بالحقد والانقسامات. وتمنّى “على المسؤولين والعقلاء في الجبل التحلّي بالوعي والحكمة وعدم تغذية هذا المشروع التدميري بحق الوطن”، مترحّماً على الضحايا ومتمنياً الشفاء العاجل للجرحى.
وأكّد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمود قماطي في تصريح له بعد لقائه رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان في خلدة، أنّ “ما حصل في قبرشمون كبير وخطير جدا، وما يهمنا هو الاستقرار، وإن العودة الى الاعمال الميليشيوية تشكّل خرقاً للتوافق اللبناني، بحيث كدنا نفقد وزيراً من وزرائنا”، داعياً إلى “البدء بالتحقيقات لتوقيف الجناة فوراً، لأنّ ما حصل غير مقبول ومدان”.
وأكّد وزير شؤون المهجرين غسان عطالله لـ”الجمهورية”، إنّ ما حصل “شديد الخطورة”، لافتاً الى انّه “كان يوجد في الجبل أربعة وزراء وعدد من النواب، وكل واحد منا كان في استطاعته ان يفتح الطريق بقوة القانون والشرعية، لكننا تجنبنا استدراجنا الى كمين الفتنة”. واعتبر “أن اطلاق النار على موكب الوزير صالح الغريب كان متعمداً ومفتعلاً من عناصر ميليشياوية بتحريض مكشوف”، مشيراً إلى انّه “لا يجوز ان تمرّ محاولة اغتيال وزير في الحكومة مرور الكرام”. ودعا الى محاسبة الوزير اكرم شهيب، منتقداً بشدة قول الأخير “إنّ للجبل ابواباً بجب الدخول منها إليه”. وقال: “عاليه والشوف ليسا مغلقين امام أحد ولا نقبل أن نأخذ اذناً من احد للدخول اليهما”. وشدّد على “انّ الاقطاعيات المناطقية والسياسية سقطت، ولم يعد لها من مكان في مرحلة بناء الدولة والمؤسسات”.
واعلن عطالله مساء، انّه “لن يكون هناك دفن للشهيدين اللذين سقطا في حادثة قبرشمون قبل محاسبة المعتدين”، مؤكّداً أنّ “من ارتكب الجريمة ليس شخصاً واحداً بل هو طرف يريد إبقاء الجبل “كانتوناً” خاصاً به”.
واعتبر المفوض الاعلامي في “الحزب التقدمي الاشتراكي” رامي الريس لـ”الجمهورية”: “انّ الخطاب الاستفزازي هو الذي أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم، فيما حرص رئيس الحزب وليد جنبلاط في الفترة الماضية على رأب الصدع وتهدئة الاجواء، وحاول منع وصول الامور الى الفتنة”. وأضاف: “أن ليس هناك من صدام للحزب الاشتراكي مع الجيش اللبناني، ودعمنا معروف للمؤسسة العسكرية ودورها، وإننا نجري كافة الاتصالات اللازمة لتهدئة الاجواء”.
والى معالجة ذيول ما حصل في الجبل، يُنتظر ان تُعالج هذا الاسبوع التوترات السائدة بين بعض القيادات والقوى السياسية. وفي هذا الاطار، يُنتظر ان يطلب رئيس حزب “القوات اللبنانية سمير جعجع موعداً لزيارة رئيس الجمهورية، فيما يُتوقع حصول لقاء مصالحة بين الحريري وجنبلاط بمسعى من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورعايته.
وعلى الرغم من المناخ الايجابي الذي سيسود كنتيجة لهذين اللقاءين، الّا انّ عمق الامور لا يشي بهذا التفاؤل. فالتلاقي هنا لن يعني تفاهماً حول كامل سلة التعيينات، أقله كما تبدو الصورة حتى الساعة. فثمة مشاكل كبرى، لا تتعلق فقط بالتنازع الحاصل حول بعض المواقع الاساسية، بل انها تصل الى أبعد من ذلك، الى رسم توازنات داخلية جديدة تحاكي ولو من بعيد استحقاقات منتظرة وفي طليعتها استحقاق رئاسة الجمهورية.
ا