غسان همداني_ ليبانون تايمز
قضية انفجار المرفأ، قضية وطنية، وهي قضية بحجم الوطن، وجريمة تطال اللبنانيين كل اللبنانين، وكشف اسبابها ومعاقبة المتورطين فيها مطلب الجميع في هذا البلد، والتضامن مع أهالي الضحايا واجب وطني وشرعي وانساني.
ولكن وللأسف كما كل شيء في هذا البلد، تتدخل السياسة في قضية انسانية محقة فتلوثها، وتحاول ان تحرفها عن مسارها ومنعها من الوصول الى الحقيقة.
تبدأ التدخلات من القضاء. يحق للمحقق العدلي الشك بمن يشاء ، واستدعاء من يشاء، واتهام من يشاء، بناءً على معطيات محسوسة وأدلة، لكن الدستور والقوانين المرعية الإجراء تضع آلية لبعض الأشخاص، تتطلب إذنا من هيئاتهم ( المجلس النيابي، مجلس الوزراء، الوزير المختص، نقابة المحامين…) . وتنص – المادة 91 من النظام الداخلي لمجلس النواب على ما يلي: “يقدم طلب الإذن بالملاحقة وزير العدل مرفقاً بمذكرة من النائب العام لدى محكمة التمييز تشتمل على نوع الجرم وزمان ومكان ارتكابه وعلى خلاصة عن الأدلة التي تستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة.”
ما يحصل اليوم ان المحقق العدلي يرفض تزويد هيئة المجلس ولجنة الادارة والعدل بما نصت عليه المادة 91 اعلاه بحجة الحفاظ على سرية التحقيق، وهو بذلك يضع المجلس النيابي في مواجهة أهالي الضحايا، وكأنه يوحي لهم أن المجلس يرفض الكشف عن الفاعلين، لا بل يحميهم.
والغريب ان ينبري كل من النائب السابق بطرس حرب، والوزير السابق زياد بارود، وهما المشهود لهما بثقافتهما ومرجعيتهما القانونية، بتبرير فعل القاضي بيطار وتجاوزه لنص المادة 91، رغم تأكيدهما على قانونيتها وصحة اجراء هيئة المجلس ولجنة الادارة والعدل، بحثا عن تعاطف شعبي ، وتقديم أوراق اعتمادهما مرشحين لرئاسة الجمهورية، شأنهما شأن الكثيرين من السياسيين الطامحين لكرسي الرئاسة، بالإضافة الى أحزاب وقوى سياسية، تحاول تصفية حساباتها مع قوى أخرى من خلال هذه القضية.
يتحرك اهالي الضحايا بحثا عن الحقيقة، وكشف المتورطين في قضية انفجار المرفأ ومحاسبتهم، بعيدا عن الحسابات السياسية والمذهبية والمناطقية، وتحركهم سلمي، ممزوج بالوجع والألم والحزن، لكن هناك من يضخ اخبارا كاذبة حول مواقف رافضة للتحقيق أو معرقلة له، ما يضع الأهالي في موجة غضب وحنق تجاه بعض السياسيين.
ولقد ثبت بالوجه الشرعي استغلال ما يسمى بالحراك لتحرك هؤلاء الأهالي، وما حصل بالأمس أمام منزل الوزير فهمي أكبر دليل على محاولة ما يسمى بالحراك امتطاء موجة تحرك الأهالي وحرفها عن مسارها الانساني، وتسييسها لمآرب ما عادت تخفى على أحد.
كان الحراك سلميا، حتى أتى ” الفاتح ” واصف الحركة، ومعه مرتزقة امتهنوا أعمال الشغب والتخريب، وقاموا بالتعدي على القوى الأمنية، وافتعال صدام معها ، محاولين اقتحام منزل الوزير، ما دفع بأهالي الضحايا وأولياء الدم الى الانسحاب من المكان، واستمرار الجماعات “الثورية” بالتعدي على القوى الأمنية، واستدعاء مزيد من المرتزقة الى ” ساحة المعركة”.
حتى لا يكون مصير تحرك الأهالي مشابها لمصير انتفاضة السابع عشر من تشرين ، وحتى لا تضيع قضية شهداء انفجار المرفأ في أزقة الحسابات السياسية، وحتى لا تتحول الى بازار انتخابي ، المطلوب من الأهالي طرد المندسين بين صفوفهم، وتوخي الدقة والحذر في تصديق معلومات مدسوسة من هنا وهناك، والاستمرار في تحركهم السلمي، واستمرار المطالبة بحق كشف الحقيقة ومعاقبة الفاعلين، فما مات حق وراءه مطالب.