خاص ليبانون تايمز – حسن الدّر
- نريد التّحقيق فيما جرى، من الّذي أوصل لبنان إلى هذا الدّرك؟
- نحن نخشى أن ينفجر وطننا، نحن نخشى أن مؤامرةً دوليّةً تهدف إلى ضرب لبنان، نحن “متخوفين” من ذلك.
- نريد الاستعجال في تشكيل الوزارة، نريد الاستعجال في تلبية مطالب المحرومين، تلك المشكلة التي كانت الأساس والأرضيّة لكلّ ما حدث.
مقتطفات من خطبة الامام موسى الصّدر الأولى، في 28 حزيران 1975، أثناء اعتصامه في مسجد الصّفا-الكلّيّة العامليّة في بيروت.
في مثل هذا اليوم، منذ 46 سنة بالتّمام والكمال، اعتصم الامام موسى الصّدر، ورفع الصّوت عاليًا، درءًا للفتنة، ودفعًا للحرب، وتوقّيًا للفوضى، قال الامام كلمته واعتصم بحبل الله والوطن.
لم يلقَ آذانًا صاغية، ولا قلوبًا واعية، فتقاتل اللّبنانيّون على مدى 15 سنة، دفعوا خلالها مئات آلاف الضّحايا، ودمارًا على مدّ مساحة الوطن، ثمّ عادوا إلى ما دعاهم إليه، قبل أن يقتتلوا، لكنّهم لم يجدوه، فقد امتدّت أيادٍ سوداء طولى وغيّبت الامام، كي لا يكرّر فعلته ويقترف، مجدّدًا، جُرم الحبّ في وطن الحرب، وكي يبقى لبنان ساحة ولّادة للمشاكل والأزمات.
للوهلة الأولى تظنّ مواقف الامام الصّدر صادرة عن أحد سياسيي اليوم، وهو يشخّص مشكلة لبنان الحاليّة.
ليس الصّدر نبيًّا، لكنّه صادق في كلامه وأمين في مواقفه، وكلامه دليل على وجود ضابط إيقاع دوليّ، يرسم لنا حدود الاستقرار متى شاء، ويفتح علينا أبواب الحرب أو الفوضى ساعة يريد، بناء على مصالحه، أو تقاطع مصالحه مع مصالح قوى أخرى مؤثّرة في بلدنا.
وحتّى لا نُتّهم بتبرئة أحد، ولأنّ “الرّزق السّايب بعلّم النّاس الحرام” فإنّ الفساد وسوء الادارة لدى المسؤولين، والعصبيّة الطّائفيّة لدى المواطنين، جعلت منّا دمى متحرّكة بين أصابع الدّول الكبرى، ومسرحًا للكباش والاشتباك وتصفية الحسابات.
الفارق بين زمن الامام الصّدر وزماننا يكمن في انتقال العالم من الاحاديّة الأمريكيّة المطلقة بعد انتصارها على الاتّحاد السّوفياتي في الحرب الباردة إلى شراكة، ولو نسبيّة، مع قوى عالميّة وإقليميّة فرضت نفسها لاعبًا مؤثّرًا في العالم الجديد، إضافة إلى اختلال موازين القوى العسكريّة اللّبنانيّة الدّاخليّة، لصالح حزب الله وحلفائه.
وبما أنّ الهدف واحد فلا بأس بتغيير الأداة، وبدل الحرب السّاخنة فتحت أميركا على المقاومة حربًا باردة، بدأت بعقوبات معلنة، ثمّ قيود مضمرة ضيّقت الخناق على اللّبنانيين، في محاولة لتحويل أنظارهم وتوجّهاتهم عن المقاومة ومشروعها إلى البحث عن تأمين أوّليّات الحياة.
النّتيجة الّتي وصلنا إليها متوقّعة، لمن يقرأ شريط الأحداث السّياسيّة ربطًا بالأرقام الاقتصاديّة، لكنّ وتيرتها جاءت أسرع من المتوقّع بفعل الدّفع الأمريكيّ باتّجاه الفوضى وتفكيك مؤسّسات الدّولة.
دخل لبنان عمليًّا في دائرة الفوضى، لكنّها فوضى “منضبطة” تحت السّقف المتداعي، ومع الوقت ستزداد اتّساعًا لتختلف حدّتها بين منطقة وأخرى، حسب قدرة القوى السّياسيّة على ضبط شوارعها في مناطق نفوذها.
يرجّح استمرار اللّعب على حافّة الهاوية حتّى يحين موعد الانتخابات النّيابيّة القادمة، حيث الرّهان على إضعاف حزب الله في بيئتيه الصّغيرة والكبيرة، وضرب المشروعيّة الوطنيّة لسلاح المقاومة بضرب القوى الحليفة لها.
في الأثناء، سيزداد الضّغط على المواطنين اللّبنانيين، وتضيق أمامهم سبل العيش الكريم، فلا سقف لسعر صرف الدّولار مقابل اللّيرة، ولا حلّ جذريًّا لأزمة الوقود والخبز والدّواء، والأسعار توأم الدّولار في التّحليق الحرّ دون وازع قانونيّ أو أخلاقيّ.
ولكن، من يضمن بقاء اللّعب على البارد فوق هذا الصّفيح السّاخن؟ ومن يستطيع ضبط الشّارع إذا انفلتت الأمور وخرجت عن السّيطرة؟!
في الانتظار، سيبقى لبنان يتأرجح على حافّة الهاوية، وسيدرك اللّبنانيّ، بعد حين، بأنّ مشروع الامام موسى الصّدر هو الضّمانة والحصانة لمن يبحث عن العزّة والكرامة!