غسان همداني
في الدقائق الأخيرة من ولايته في العام 1988 أصدر رئيس الجمهورية أمين الجميل مرسوما بتشكيل حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون وعضوية المجلس العسكري، وأصبح في لبنان حكومتان: واحدة برئاسة الدكتور سليم الحص، وأخرى برئاسة العماد عون مكونة من الضباط المسيحيين فقط بعد استقالة الضباط المسلمين منها.
حاول العماد عون المقايضة مع السوريين بدعم ترشيحه الى رئاسة الجمهورية مقابل القضاء على القوات اللبنانية، وعندما رُفض طلبه عمد الى اعلان حرب التحرير ، وانهمرت القذائف والصواريخ على شطري بيروت ونتج عنها تدمير وسقوط قتلى وجرحى.
اتهم العماد عون البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير والقوات اللبنانية بتوفير الغطاء المسيحي لاتفاق الطائف، وكان الاعتداء على البطريرك في بكركي، وفي31 كانون الثاني 1990 اندلعت حرب الإلغاء بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية التي أنهكت ودمّرت المناطق المسيحية ، وتسبّبت بأكبر هجرة للمسيحيين للخارج وبسقوط آلاف الضحايا إما على الجبهات أو تحت الركام أو في البحر هرباً من جحيم النار.
رفض العماد عون تطبيق اتفاق الطائف بمؤتمر صحافي عقده بعد يوم من إقراره وانتخاب النائب رينيه معوض رئيسا للجمهورية، وهدد فيه بأن من يريد أن يدخل بهذا الاتفاق سيذهب إلى “الجحيم”.
بعد اغتيال الرئيس معوض و انتخاب الياس الهراوي رئيسا للجمهورية وتكليف الرئيس سليم الحص بتشكيل الحكومة ونيلها الثقة، قام الجيش اللبناني في 13 تشرين الأول 1990 بعملية لاقتحام القصر، وأدت تلك العملية إلى لجوء رئيس الحكومة ميشال عون إلى السفارة الفرنسية ومن بعدها نفيه إلى فرنسا.
اليوم يعيد التاريخ نفسه، فرئيس الجمهورية ميشال عون يقايض وصول صهره الوزير جبران باسيل الى سدة الرئاسة مقابل الافراج عن تشكيل الحكومة، رافضا المبادرات من الخارج والداخل، مضيعا الفرصة تلو الأخرى وآخرها مبادرة الرئيس نبيه بري التى تحوز على دعم الداخل والخارج، عدا الرئيس وصهره، والتي تعتبر الفرصة الأخيرة قبل الانهيار الشامل.
يومها لم يبق مع العماد عون سوى الحرس الجمهوري، وخسر تأييد القوى المسيحية، وغطاء البطريرك صفير، واليوم لم يبق مع فخامة الرئيس الا التيار الوطني الحر، او ما تبقى منه، والكلام عن خسارة غطاء البطريك الراعي الذي يبدي انزعاجه من تصرفات المحيطين بالرئيس، وتنامي الخوف على المسيحيين في لبنان، بالاضافة الى تذمر حزب الله وتأففه من مغامرات الوزير جبران باسيل، ناهيك عن الموقف الدولي من ممارسات العهد، وادارته للملفات في لبنان، وما زاد في الطين بلة البيان الصادر عن القصر الجمهوري ضد رئيس مجلس النواب نبيه بري والرد الناري لرئيس المجلس، وهو أمر له تداعياته السياسية التي ستظهر قريبا.
خلال حرب التحرير قال العماد عون الذي سئل عن تداعيات الحرب على العاصمة “بيروت دّمرت 8 مرات فما الذي يمنع أن تُدمّر مرة تاسعة؟”! واليوم ، يبدو ان الرئيس ميشال عون لا مانع لديه من القضاء على لبنان الوطن كرمى لعيون الصهر، فهل تكون نهاية لبنان أم تكرار تجربة عام 1990؟؟!!