بقلم د. سامر ماهر عبدالله
يتردد كثر من الإقرار أن لبنان دخل دوامة الإنتظار والجمود السياسي بإنتظار جلاء أكثر من مشهد عربي وإقليمي ودولي . وإلى جانب ذلك ، وصل هذا البلد في ظل هذا المخاض إلى مرحلة الفشل السياسي والإقتصادي والإداري شبه المطلق .
والمخيف أن أزمات المنطقة التي إستجدت بعد ما سمي بالربيع العربي وخاصة في العراق وسوريا واليمن وليبيا هي مستعصية على الحلول السريعة ، كما وتتسم بالتعقيد ، إضافة إلى كونها ترتبط برغبة الدول الكبرى – وخاصة الولايات المتحدة الأميركية – في إعادة إنتاج السلطة في كل من هذه الدول وفقا لمصالحها الإستراتيجية .
ولأن واشنطن لم تقطف في السياسة ما زرعته من فوضى في الشرق الأوسط ، الأمر الذي دفعها للعمل على تعقيد هذه الأزمات ، عبر تفعيل حروبها الإقتصادية وسياسة العقوبات . كما أن ولاية الرئيس السابق دونال ترامب قد قلبت رأسا على عقب السياسة التي زرعها سلفه الرئيس باراك أوباما ، سواء من حيث الأوراق أو الأولويات . وحاليا يواجه الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن صعوبات جمة في حصد نتائج ما سمي بالربيع العربي ، والأصح أنه يحاول التقليل من الخسائر الأميركية التي تسببت بها عدة عوامل أبرزها :
1-ترسيخ روسيا حضورها في المنطقة ، وقدرتها على إستيعاب تركيا أردوغان ، وتسليم واشنطن بدور موسكو كعامل توازن في الشرق الأوسط .
2- صمود الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد فشل العقوبات الإقتصادية المتشددة عليها .
3- صمود سوريا بوجه الإرهاب ، وتسليم واشنطن – ومعها حلفائها – ببقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم ، وسقوط المعارضة السورية بكافة مسمياتها سياسيا وعسكريا .
4- نجاح الحشد الشعبي في حماية العراق من خطر داعش ، وعجز واشنطن عن جعل العراق محمية أميركية دائمة .
بناء على ذلك ، وإنسجاما مع البراغماتية الأميركية ، قرّرت واشنطن العمل على تقليل خسائرها في المنطقة بعد أن داهمها الوقت ، فعادت إلى التفاوض مع إيران حول الملف النووي علنا ، وحول سائر ملفات المنطقة ضمنا . غير أن جولة المفاوضات الراهنة بين أميركا وإيران تختلف عن الجولات السابقة لعدة عوامل أبرزها :
1-إستعمال واشنطن وبقوة حربها الإقتصادية ضد لبنان لإضعاف موقع إيران التفاوضي .
2- موافقة واشنطن على إشراك السعودية في بعض جوانب هذه المفاوضات وهذا الأمر إستلزم نقاشات سعودية – إيرانية وسعودية – سورية .
3- برودة أميركية حيال عمليات التطبيع العربية – الإسرائيلية التي أسّس لها الرئيس السابق ترامب ، ليقين الإدارة الأميركية الحالية أنه لا يمكن إيجاد تسوية دائمة بين إسرائيل والفلسطينيين دون تسوية كافة أزمات المنطقة . لذلك تراجعت صفقة القرن لصالح أولوية التفاوض مع إيران بعد أن أصبحت طهران وقوى المقاومة تملك قرار الحرب ضد إسرائيل خلافا لعقود طويلة .ولقد ترسّخت هذه المعادلة إبتداء من نصر تموز 2006 وصولا إلى نصر غزة 2021
عودة إلى لبنان ، فإنه أسير القرار الأميركي بإضعافه وإنهاكه إقتصاديا وسياسيا دون تركه يسقط نهائيا ، لأنه إن سقط فإن واشنطن غير متيقنة بالحفاظ على أوراقها وعلى حلفائها فيه . ولذلك نجد تأني واشنطن الشديد في سياستها اللبنانية والتي تتمثل بالتالي :
1-منع تشكيل حكومة .
2- منع مساعدة البلد إقتصاديا وخاصة من الدول العربية .
3- تجميد المبادرة الفرنسية .
ويمكن القول أن محور المقاومة في لبنان هو في موقع الدفاع وليس في موقع الهجوم ، على الأقل لغاية اليوم ، ذلك أن واشنطن أسّست لسياسة حافة الهاوية في بيروت . وفي ظل هذه السياسة الأميركية التي لم يسبق لها مثيل منذ أتفاق الطائف ، نجد أن واشنطن تغامر في لبنان بأكمله من أجل حصد تنازلات من إيران في مفاوضات النووي .
هذا لا يعني أن هناك أسبابا داخلية للأزمة اللبنانية ، فهناك أزمة حكم حقيقية ، وهناك حاجة لإعادة إنتاج سلطة قادرة أن تحكم . غير أن تجديد النظام اللبناني إرتبط بدوره – وبشكل كبير – بأزمات الحكم في العراق وسوريا واليمن وسوريا .
لا أحد يعرف كيف ستكون حصيلة مفاوضات النووي وما سيتبعها من تسويات في المنطقة ، غير أن المؤشرات أن الإتفاق الجديد مع إيران سيكون على دفعات ، وقد تحصل نتائج دون الإعلان عن أي إتفاق بشأنها كما حصل مؤخرا .
المؤكد أن كل تقدم في الملف النووي ستتبعه صدمة ” إقليمية ” ما . وليس من المستغرب أن تحصل هذه الصدمة الإيجابية في لبنان . والأكثر تأكيدا أن واشنطن لا تريد حكومة سريعة في لبنان منعا من إحراق المراحل في التفاوض مع إيران .
إن عامل الوقت مهم جدا في الأزمة الراهنة في لبنان ، ولكن يجب فصل مسألة الحكومة عن مسألة إنتاج نظام جديد لأن هذا الأمر الأخير مرتبط بمشهد المنطقة بأكملها . ولكن المؤكد أن أي موافقة أميركية على حكومة لبنانية جديدة بعد هذا الإستعصاء الشديد سيكون مقدمة لتخلي واشنطن عن الكثير من أوراقها اللبنانية بعد أن فشلت حربها الإقتصادية ، وبعد أن ثبت لها أنه لا يمكن مواجهة إيران في لبنان إلا بالحوار .