حسن الدّر- خاص ليبانون تايمز
كثرٌ مرّوا في الزّمن، وقليل مرّ الزّمان عليهم، أولئك الّذين سبقوه بفهمهم ووعيهم، واستقرائهم أحداث ما كان ليرسموا للآتين بعدهم واقع ما سيكون، فبقيت سيرهم وأفكارهم وآثارهم منارات تضيء دروب المعتبرين في مدلهمّات الحياة، وظلمات القهر والعذابات.
وموسى الصّدر، الثّابت الوحيد في بلد التّحوّلات العديدة، مرّ على زمانه ثلاثة وتسعون عامًا، ولم يزل فتيًّا فينا، أكثر ثورةً منّا، أصلب موقفًا وأشدّ عزيمةً وأقوى شكيمة، ولم نزل مبهورين بجمال وجهه وجلال قدره وجرأة مواقفه.
موسى الصّدر جمع التّناقضات وألّف بين الأضداد من كلّ الاتّجاهات، فيصرّح فؤاد شهاب رئيس الجمهورية اللبنانية: “لو كان هذا الرّجل مسيحيًّا لقدّسه المسيحيّون” ويتمنّى الزّعيم العربيّ جمال عبد الناصر: “ليت جامعة الأزهر تملك رئيسًا كالسّيّد موسى الصدر”، ويصفه الملك عبد الله بن عبد العزيز: “طوال سنين حياتي لم أرَ شخصيّة بهذا الذّكاء وسعة الاطّلاع وحسن الخلق والمحبوبيّة”!
ولأنّه فوق الأطر، وأكبر من الحدود المذهبيّة والدّينيّة والعرقيّة والوطنيّة دعي في حزيران عام ١٩٦٣ إلى حضور حفل تنصيب البابا بولس السّادس، وكان أوّل رجل دين مسلم يحضر حفل تنصيب في الفاتيكان، وكان بهامته وهيبته وقامته رسول سلام في زمن الحروب!
في ذكرى ولادة الأمل يبقى موسى الصّدر بريق الأمل في ما تبّقى من وطن، وتبقى مواقفه دائمة الصّلاحيّة، لا يفسدها زمان ولا يغيّرها مكان.
نعود إليه كلّما مرّت علينا المحن وتكاثرت حولنا الذّئاب، ذئاب الدّاخل والخارج!
يعزّ علينا، ونحن أبناؤه وأحباؤه وتلامذة مدرسته، يعزّ علينا أن نقف في الطّوابير، لنستجدي أبسط حقوقنا، وقبالة أعيننا، على أعمدة الانارة صوره الجميلة، أخاله يحدّثنا وهو يرمقنا بعينيه الخضراوين: “ما هكذا أردتكم، ما لهذا عانيت وقاومت وضحّيت وغيّبت”!
في ذكرى ولادة الأمل نستحضر كلام إمام الأمل وهو يستشهد بجدّه الحسين(ع) في ذكرى عاشوراء في الكلّيّة العامليّة بتاريخ ٢١-١٢-١٩٧٥: “الحسين لا يتحمّل العيش مع الظّالم، لا يقدر أن يقف هو وظالم إلى جانب بعض، يحارب الظّالم حتّى ولو مات! الظّالم من؟ أيّ ظالم كان! “إسرائيل” أو الظّالم الدّاخليّ، الّذي يغتصب حقوقك، ولو كانت سلطة، الّذي يحرمك من حقّك، لو كان حاكمًا. الذي يمنعك فرصتك في الحياة، ولو في أيّ مركز كان، هو الظّالم. والحسين لا يقبل أن تعيش أنت معه”.
إمام الوطن والمقاومة والأمل يساوي بين “إسرائيل” وبين الظّالم الدّاخليّ الّذي اغتصب حقوقنا وحرمنا حقّنا في الحياة!
الامام يستصرخنا، يهزّ ضمائرنا، يرفع الغشاوة عن أعيننا، يشخّص لنا واقعنا، ويضع لنا المعايير الانسانيّة والشّرعيّة لنعرف حقيقة مواقفنا، ثمّ نسأل أنفسنا: هل نحن حقًّا صدريّون حسينيّون؟!